حين يتجاوز الفنان التشكيلي الدور المتوقع منه والمنظور في إثراء الساحة بأعماله المميزة، إلى أدوار إيجابية أخرى، فإن الحفاوة به تكون كبيرة، والتقدير له يكون عظيمًا، والنظر إلى مسيرته يكون بعين غير العين التي تقرأ بقية المسيرات الأخرى لفنانين كثر.. ويكاد هذا الوصف ينطبق كلية على الفنان الدكتور أحمد الغامدي، فهو بجانب عطائه الفني المقروء في أعماله ذات الطابع المميز، بما يجعله أحد صناع الفن التشكيلي بالمملكة، فإن دوره يمتد أبعد من ذلك بما أودعه في أذهان وخواطر طلابه من علم وتجربة تجلت واضحة في كل من تخرج على يديه في قسم التربية الفنية بجامعة أم القرى، إذ بدا تأثير فنه واضحًا على عدد من طلابه في البكالوريوس والماجستير والدكتوراه.. لقد أفنى الدكتور الغامدي زهرة شبابه معلمًا للفن، وفاتحًا الضوء أمام طلابه للرقي والتقدم، حتى أصبح مدرسة، مضيفًا سطورًا إلى نجاحاته الكبيرة التي حققها خلال فترة دراسته بأمريكا، وما قدمه هناك من معارض متميزة بالإضافة لبعض المعارض بالمملكة.. التجريدي المتألق ولئن كانت الساحة قد افتقدت لوحات الغامدي بسبب انغماسه في الجانب الأكاديمي، فإنه قد أطل عليها مؤخرًا محييًا إياها بمعرضه الشخصي «خارج الزمن» الذي احتضنته صالة «داما آرت» بجدة، وكما هو متوقع فقد أثار المعرض الساحة، وحرّك ساكنها، وأعاد وهجها.. وتأكيدًا لذلك يقول الناقد عبدالرحمن المغربي: الدكتور أحمد الغامدي فنان تجريدي متألق يعكس من خلال لوحاته بيئة الجنوب وما تزخر به من «موتيفات» وزخارف وديناميكية وحركة، قد لا نشاهد ذلك بشكل مباشر، ولكن نشعر به ونحس بأثره من خلال اللون وحركته المستمرة، فهو فنان يعبر عن جوهر الأشياء بعفوية، وتلقائية اللون عند الفنان الدكتور الغامدي أكثر صخبًا وإثارة، متأثرًا بعض الشيء بالمدرسة الوحشية، ولكن بطريقته الخاصة، والتي اتضحت هنا أكثر تمكنًا وريادة في حبكة اللون. ويضيف المغربي: ورغم توقف الفنان بين الحين والآخر إلا أنه في معرضه الأخير يؤكد لنا أن الفنان الأصيل يظل معطاء ومتمسكًا بموهبته إلى آخر لحظة، فيكون التوقف أحيانًا لحظه تأمل واختزال، ليفاجئنا بروح جديدة أساسها التجريد. وحركة الكون التي لا تتوقف. ويخلص المغربي إلى القول: إن الدكتور أحمد الغامدي رجل أكاديمي بالدرجة الأولى، وتحوي ذاكرته الكثير من المعارف والثقافة الفنية التي تؤهله بأن يصيغ أعمالًا تزخر بالعديد من النضج، وإدراك الشكل في البناء، فمهفومه عن المنتج يختلف عن الكثير من الفنانين، فالمنتج لديه لابد أن يواكبه ثقافة ومعارف ودراية لاقناع الآخرين. جهود ملموسة وتقول الكاتبة والفنانة فوزية الصاعدي: قسم التربية الفنية بجامعة أم القرى الذي تأسس عام 1396ه أحد الصروح الفنية والثقافية التي تهتم بالفنون التشكيلية، والذي يجتمع فيه نخبة مميزة من الفنانين ممن لهم دور في الحركة التشكيلية السعودية، ويعتبر الدكتور أحمد عبدالرحمن الغامدي من أبرز الأكاديميين التربويين في قسم التربية الفنية في جامعة أم القرى، لما له من جهود ملموسة للارتقاء بالدارسين فنيًا وعلميًا، والأخذ بيدهم ليساهموا في خدمة المجتمع وغرس قيم الفن والجمال فيه، درست معه في مرحلتي البكالوريوس والماجستير طرق تدريس التربية الفنية في التعليم العام ومدخل لطرق البحث في التربية الفنية ومصطلحات في التربية الفنية باللغة الإنجليزية.. وهو من المهتمين بطرق تدريس الفنون وتطوير المناهج الدراسية، كانت محاضراته ثرية بجوانبها المعرفية، ويسعى لإكساب الدارسين ثقافة فنية بطرح كل ما هو جديد في مجال الفن من خبرات فنية وموضوعات نظرية لتنمية الحس والتذوق الفني وللارتقاء بالفن المعاصر. وكان من ضمن لجنة مناقشة رسالتي للماجستير التي أشرف عليها الدكتور حمزة باجوده بعنوان «التوظيفات الجمالية لمفردات الفن الشعبي في التشكيل السعودي»، والتي كان له دور في إثراء موضوعاتها. الفنان الإنسان وتقول عنه الفنانة هدى العمر: يمكن هنا أن أتحدث عن الدكتور أحمد بن عبدالرحمن الغامدى كفنان لأنه أستاذ تعدت مرحلته أن يكون محل نقد فنحن محل نقده. وسأتحدث عن الغامدى بصفته إنسانا وجدت فى شخصه كثيرا من ملامح الإنسانية. ابن الباحة مدينة الجمال، وأستاذ منح جل وقته وفكره وثقافته لخدمة طلابه بجامعة أم القرى ومجال الفنون التشكيلية عامة. يحمل كثيرًا من المعرفة والثقافة التي لا تستطيع أن تخيب إنتاجه الفنى. فهو صاحب قلم ناقد وبحوث متميزة في هذا المجال وإصدارات كتابية تستحق التميز والتقدير. وها نحن نرى معرضه هذا بعد غياب طويل أطل علينا بعطائه الفكرى الإبداعي الثقافي ليؤكد لنا أن اهتمامه بالمرتبة الأولى كان بتكريس عطائه وعلمه للآخرين قبل أن يخص نفسه، فهذه الطاقة المبدعة فى إنسانيتها والماثلة فى شخص الدكتور أحمد الغامدى تستحق منا المباركة والشكر، ونأمل له المزيد من الانتاج والعطاء يلهب بريقه عيوننا مستقبلا بمشيئة الله. الديمقراطي الجاد وعلى ذات النسق المبرز للجوانب العديدة التي تتمتع بها شخصية الدكتور احمد الغامدي، تقول الفنانة عبير كعكي: الدكتور أحمد من الشخصيات الجادة الديمقراطية، والتي تحب التطوير والبحث عن العلم والمعلومة بأدق تفاصيلها مع مد يد العون لطلابه والباحثين عن كل ما هو جديد في الفن والتربية الفنية وطرق تدريسها. أفكاره نيرة، وله طموحات تفوق الحدود، ومن خلال إشرافه على رسالتي وجدته الأكاديمي المخلص والمتفاني والمرن والمحب لعمله، وقد أنجز الكثير على مدار الأعوام الماضية، ومن ذلك له الكثير من المؤلفات في التربية الفنية. وتجمل كعكي حديثها في خاتمة قالت فيها: الدكتور له من الصفات الجمة التي تجعلنا نحتار بأي نبدأ منها، فمن الناحية الإنسانية هو شخص خلوق جدًّا ويتميز بالهدوء الهادف والحكمة والصبر، كما أن معلوماته مترابطة، مع تميزه بإيصال المعلومة للمتلقي بأقصر الطرق.