عندما تحدّث بعضنا ككُتَّاب عن الفوضى التي تعم دول الربيع العربي لم نكن مبالغين ولا منافقين. بل تحدثنا عن واقع مرير، وفلتان أمني، وفوضى سياسية أدت إلى ما نشاهده الآن بل نعايشه. وقلنا مرات عديدة إننا لا نكتب من أجل النقد فقط، دون طرح آراء أو أفكار يستفيد منها المجتمع. ولا نكتب بقصد إثارة الفتن وبث الأحقاد ونشر الشائعات. ولا نكتب من أجل إشباع نزعات سادية متأصلة فينا تتمثل في التلذذ بعذابات الآخرين، وتصيّد أخطائهم وهفواتهم. ولا نكتب من أجل أن نضع الصحافة كجسر عبور نحقق من خلالها مصالح ومكاسب شخصية. ولا نكتب من أجل أن نُغيِّر الكون في يوم وليلة. نحن نكتب من أجل المشاركة في صلاح وإصلاح مجتمعاتنا العربية. بالطبع أي كاتب مخلص ولديه وطنية يبحث عمَّا يُصلح مجتمعه بشكلٍ خاصٍ، ومجتمعاتنا العربية بشكلٍ عام؛ التي نحن جزء لا يتجزأ منها. فنحن نكتب بكل إخلاص ووطنية، ودون أي قصد سيئ أو نوايا مبيتة من أجل خدمة المجتمع بجميع مؤسساته. ولكن نواجه من قبل أناس ليس لهم همّ إلاّ تفسير وتحوير وتأويل الكلام من أجل تصفية الحسابات لكي يُحقّقوا شيئًا في أنفسهم. هناك أناس لا هم لهم إلاّ إنزال المصائب بالأفراد والمجتمعات والتلذذ بذلك والفرح والسرور عندما تنزل عليهم النوائب والمصائب. كثير من المخلصين الذين يكتبون بكل نزاهة وصدق ذهبوا ضحايا لأناس لا يهمهم تماسك مجتمعاتهم وتطوير مؤسساتهم بقدر ما يهمهم ماذا سوف يحصلون عليه من منافع شخصية. ككتّاب عندما نكتب وننتقد لا نكتب عن أشخاص، أو ننتقدهم لذاتهم لأنه بكل بساطة هؤلاء أشخاص متغيّرون، بمعنى اليوم يتربّعون على كراسي الإدارة، وغدًا سوف يترجلون عنها. ولذلك لا يهمنا تقييم أولئك الأشخاص بقدر ما يهمنا تقييم أعمالهم وأدائهم في إداراتهم، وقدراتهم على التطوير والتحسين، وأساليبهم في معالجة الأخطاء لكي تكون المحصلة النهائية هي الرفع من قدرات المجتمع الإنتاجية الموجبة بدلًا من السالبة لكي يعم الرخاء والرفاهية والازدهار لأبناء الوطن. كتاباتنا يجب أن تركز على كل شيء يخدم المجتمع وبخاصة في وقتنا الحاضر، والذي يحتم علينا أن تكون أقلامنا مُسخَّرة لخدمة مجتمعنا وجعله متماسكًا وقويًا أمام هذه الهجمات الشرسة التي يشنها الإعلام الجديد بدون مبرر!! الحقيقة الغائبة عمَّن يحاول النَّيل من وطنه وناسه هي أننا لا نستطيع العيش بدون أمن، ولا يمكن لأي فرد من أفراد المجتمع النزول إلى الشارع وممارسة حياته العادية. فبدون الأمن لا يمكن أن يأمن التجار على متاجرهم ومدخراتهم، وبدون الأمن لا يمكن أن يأمن الناس على ممتلكاتهم وأنفسهم وعلى أهلهم وعرضهم، وبدون الأمن لا يمكن أن تدور عجلة المصانع، وبدون الأمن ينشأ الخوف والرعب، ويسود الجهل والتخلف. وحتى لا ننعت ككتّاب بالنفاق -والعياذ بالله- فإن الشواهد على كلامنا نعايشها الآن، وهي ما تبث ليس من خلال الإعلام التقليدي، بل من خلال الإعلام الجديد، (شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها). ففي بلدان الربيع العربي اختُطفت أوطان من قِبَل جماعات وأحزاب لا يهمها أمن واستقرار أوطانها، بل ينظرون إلى الأوطان على أنها كعكة لا بد من التهامها بالكامل؟! تتنازع وتتناحر فيها أحزاب ومجموعات ليس لها همّ إلاّ تحقيق مكاسب شخصية والبحث عن الكراسي بعيدًا عن مصالح المجتمع العليا؟! مثال جسّده الفنان القدير لطفي أبوشناق الذي يحلم أن يكون له وطن آمن مستقر؟! فغنَّى وبكى على بلده تونس التي مزّقتها تناحر الأحزاب والجماعات التي كانت تنادي بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وعندما احتلت الكراسي انتهكت ما كانت تنادي به. انظروا أيُّها السادة القرّاء ماذا يقول لطفي أبوشناق اقتباسًا؟! قال:"أنا حلمي بس كلمة أن يظل عندي وطن، لا حروب ولا خراب، لا مصائب ولا محن، خذوا المناصب والمكاسب لكن خلولي الوطن". كم أنت رائع يا أبوشناق عندما غنّيت لوطنك، وبكيت بمرارة على ما يحدث في بلدك من فوضى وانفلات أمني واغتيالات؟! هذا فقط شاهد واحد من شواهد دولة واحدة من دول الربيع العربي ناهيك عن غيرها. وإذا كانت هذه هي نتيجة الربيع العربي فوضى وفلتان أمني وتناحر أحزاب فإننا نصبح كالمستجيرين من الرمضاء بالنار. فالتاريخ علّمنا أن التناحر بين الأحزاب والطوائف والمذاهب والقبائل وغيرها لا ينتج عنه إلاّ قتل وخراب ديار، وأحقاد وانتقام مستمر لا ينتهي. حفظ الله بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه.