تقع قرية قباء جنوبالمدينةالمنورة وتبعد عن المسجد النبوي الشريف حوالي خمسة كيلو مترات، وإذا ذكرت الهجرة النبوية الشريفة لها الصدارة بذلك، لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند قدومه المدينةالمنورة مهاجرًا نزل في هذه القرية المباركة فيها رجال يحبون أن يتطهروا، بني أول مسجد في أرضها الطهور، أسس على التقوى، وضع حجر أساسه الرحمة المهداة صلّى الله عليه وسلّم، صلى به القبلتين، أصبح المسلمون في منعة وقوة، الصلاة في مسجد قباء تعدل عمرة، تهفو لمسجد قباء أفئدة المسلمين، زيارته سنة، كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذهب إلى مسجد قباء راكبًا ومشيًا. تعتبر قرية قباء غوطة المدينةالمنورة لما حباها الله من التميز، ماء عذب، وأرض طيبة، تكثر فيها المزارع، يزرع في أرضها النخيل والأعناب والورد والفل والياسمين، إذا ذهبت إلى قرية قباء ترى النخل باسقات لها طلع نضيد، وترى الأعناب على عروشها تتدلى كأنما هي حبات اللؤلؤ حلوٌ طعمه في نوعيه الحجازي والشريف، وظلت قرية قباء تسقي المدينةالمنورة من مائِها، ومنها كانت تنبع العين الزرقاء، يسير ماؤها في مجرى إلى المدينةالمنورة ومن ثم يتفرع إلى أحياء المدينةالمنورة، وظلت كذلك قرونًا حتى توقف ماؤها. وأمر الملك سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله- بحفر آبار في قرية قباء وما حولها مثل شوران ويسمي أهل المدينةالمنورة هذه الآبار مناهل سعود، ذلك الملك الذي يحمل في صدره قلبًا رحيمًا وكل ملوك هذه الأسرة المباركة كذلك والحمد الله. ويذهب أهل المدينةالمنورة كثيرًا إلى قرية قباء مشيًا على الأقدام أو بما كان متوفرًا في ذلك الزمان من وسائل المواصلات مثل السيارات والدراجات الهوائية والنارية أو الدواب مثل الجمال والحمير، وما أن يعبر ثنية الوداع الذاهب إلى قرية قباء حتى يتلقاه عبير الورد والفل والياسمين ويشعر بالهواء العليل ينساب من بين النخيل وكأنما يقول للزائر حللت أهلا ونزلت سهلا، ويشاهد مسجد قباء ويتطهر ويدخل إلى المسجد يصلي ما كتب له من فرض أو سنة ويتنفل ما شاء الله له من نافلة الصلاة. يذهب أهل المدينةالمنورة إلى قرية قباء فرادى وجماعات وأسرًا، وربما الأسرة تذهب بجميع أفرادها رجال ونساء وشباب وأطفال يذهبون إلى المزارع وغالبًا ما يكون بالمزرعة مبنى مسقوف يسمى الديوان وأمامه البركة مليئة بالماء ويسبح الرجال والشباب ويعلمون الأطفال السباحة ويعيشون في مرح وحبور وقد تذهب الأسرة بعد صلاة العصر إلى قرية قباء فيرون النخيل والأعناب على عروشها وثمر الرمان يتدلى على غصونه تكسوه بعض الحمرة وأريج الزهور تعبق بعطرها الفواح فيضعون أمتعتهم تحت النخيل ويجلسون جلسة محتشمة ويتناولون القهوة والشاي بالورد المديني أو النعناع المغربي أو الشاي مع الليمون المديني والليمون المديني له طعم خاص لا يوجد إلا به. وغالبًا إذا رآهم الفلاح رحب بهم وجنى لهم بعض الزهور والثمار مثل العنب والرمان وما كان ناضجًا في ذلك الوقت من ثمر ويضعها في إناء صنع من خوص النخيل ويقف بعيدًا وينادي أحدهم ويعطيه الإناء مليئًا بالثمار والزهور ويقول له: تفضل خذ هذا وادعُ لنا بالبركة، وهذا ديدن ملاك المزارع في المدينةالمنورة يرون الإهداء من مزارعهم يبارك لهم فيها، وهو كذلك. يملك بعض المزارع في قرية قباء أناس فضلاء منهم العالم الحافظ للقرآن والتاجر الأمين في تجارته، أمثال الشيخ حِليت مسَلم أحد أئمة مسجد قباء سابقًا إذا رتل القرآن الكريم في الصلاة الجهرية يرتله ترتيلا والشيخ محمد بن حسن النزهة تاجر ولكن خبير بالزراعة والشيخ عبدالحميد عباس المزارع المحسن، هؤلاء المشايخ ملاك بعض المزارع في قرية قباء -رحمهم الله-. خبراء في جميع أنواع الزراعة ولقد حدثني من عملوا في مزارعهم قائلين: ينظر أحدهم إلى النجوم ويقول: ازرع هذا، اشتل ذلك، اقلع النخيل فقد حان وقتها وكأنما العامل الزراعي الذي يعمل في مزارع هؤلاء الفضلاء يدرس في كلية الزراعة (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ). وفي العودة من قرية قباء إلى المدينةالمنورة يشاهد الزائر مسجد الجمعة على يمين الطريق، وهو المسجد الذي صلى في موضعه النبي صلّى الله عليه وسلّم صلاة الجمعة وهو في طريقه إلى المدينةالمنورة، لعلمنا فضل هذه الصلاة وفضل يومها وأصبح يوم الجمعة عيدًا أسبوعيًا للمسلمين. وفي الجانب الآخر يشاهد قلعة قباء تلك القلعة الأثرية التي إذا نظر إليها الشخص يدرك عظمة فن العمران الحربي عند المسلمين. ويذرف الدمع على الوجنتين عندما يتذكر المسلم ذلك الجمع المبارك حبيبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمهاجرين الأوائل تحفهم جموع الأنصار رضي الله عنهم، الرجال شاكيِن السلاح يظهرون المنعة والقوة والنساء والأطفال يهتفون فرحًا، طلع البدر علينا من ثنيات الوداع. هو الرحمة المهداة صلّى الله عليه وسلّم، أنقذ أمتهُ في الدنيا من الظلمات إلى النور ويوم القيامة يتضرع إلى ربنا الكريم قائلًا أمتي يا رب، أمتي يا رب وصلّى الله وسلّم على سيّدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. المزيد من الصور :