نجحت الدولة ممثلة في مؤسسة النقد العربي السعودي في إقامة نظام مصرفي صلب حديث يتمتع بالملاءة المالية، ويمتثل لأرقى المقاييس الدولية، ويعتنق أحدث الأساليب التقنية، ويحقق لمساهمي المصارف ربحية مجزية حتى في أحلك أوقات الأزمة المالية العالمية، وهي ربحية تمكنت من دفن الأخطاء والتجاوزات بل وحتى بعض جوانب الفساد، ولا شك أن سلامة النظام المصرفي ومتانته قاعدة أساسية للدول ومحرك فعال لحركة التبادل التجاري والنشاط الاقتصادي داخلياً وخارجياً، ولقد سعت مؤسسة النقد إلى تدعيم النظام المصرفي في أثناء أزماته بأشكال متعددة مباشرة وغير مباشرة منها الحد من المنافسة وضبط إصدار التصاريح لإنشاء بنوك جديدة أو فتح الفروع للبنوك الأجنبية، ومنها تعديل نسب الائتمان التي تحتفظ بها المؤسسة من رؤوس أموال البنوك، ومنها التغلب على ما يعترض البنوك من قيود في النظام القضائي وذلك بإحالة القضايا البنكية إلى لجان متخصصة للبت فيها، ومنها السماح للمصارف بإنشاء منتدى غير رسمي لرؤساء البنوك يلتقون فيه بانتظام تحت إشراف المؤسسة ويتبادلون فيه الرؤى والمعلومات وينسقون المواقف بشكل يجعل النشاط المصرفي يحاكي ما يطلق عليه الاقتصاديون "احتكار القلة". كل ذلك يمكن أن نتقبله ونغض عنه الطرف لو اكتملت منظومة الحماية لترعى المواطن المستهلك أو بالأحرى "المهلك" الذي يتعامل مع المصارف ويضطر إلى الرضوخ لأحكامها وشروطها بدءاً من الرسوم والفوائد العالية لبطاقات الائتمان ومروراً بالشروط المجحفة لمنح القروض وإصدار خطابات الضمان وانتهاء بتردي مستوى الخدمة التي يتلقاها المواطن في فروع البنوك، ولكن أغرب ما سمعت عنه هو أن مواطناً أراد أن يسدد باكراً ما تبقى عليه من قرض اقترضه فقيل له إنه يحتاج إلى تسديد المبلغ المتبقي كاملاً دون حسم الفوائد التي تستحق على أجل القرض، بل وأن يسدد فوق ذلك رسوماً إضافية تمثل الأتعاب الإدارية للتبكير في الدفع!! إنها كما يقول إخوتنا اللبنانيون "هي سمعة جديدة!!"، وحدثني آخر أن البنك يحتجز لديه من أرصدة المواطن ما يزيد على المبلغ المتبقي المستحق من القرض ضماناً للتسديد يضاف إلى ضمان الاقتطاع من الراتب!! فلماذا اذاً يتعب البنك والمستفيد أنفسهما بالإقراض والاقتراض إن كان البنك يعطي مبلغاً بيد ويحتجز باليد الأخرى مبلغاً مساوياً لما أقرض؟ طبعاً سوف يتذرع البنك بأن العقد هو شرعة المتعاقدين وأن هذه الشروط قد تم إدراجها في السطر الأربعين من الفقرة الثلاثين في الصفحة العشرين من عقد الإذعان الذي وقعه المواطن وإن لم يفعل فعليه أن "يظف وجهه ويقضب الطريق" ولكن السبب الحقيقي وراء ذلك هو أن مؤسسة النقد قد ألقت بثقلها خلف المصارف ترعى شئونها وتحمي حقوقها، وتركت المواطن وحيداً يغني مع محمد عبده "لنا الله!!". [email protected]