لم أتمكن من إخفاء دهشتي إزاء المنجز الحضاري الحديث الذي تبنت حكومة قطر بقيادة سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني رعايته والاهتمام بإنشائه وفق أحدث التصاميم المعمارية والهياكل الهندسية الفريدة، التي تم بناؤها في مدة وجيزة لا تتعدى الثماني سنوات على أبعد الأحوال، هي الفارق الزمني بين زيارتي السابقة والتالية لها. وفي تصوري أن ذلك ما كان ليكون لولا وضوح الهدف والرؤيا وقوة العزم والإرادة للتحديث وبلوغ المكانة المخطط لها. في الدوحة بات اليوم بالإمكان تلمُّس مشهد حضاري قام بترميمه وصُنع بعض ملامحه الجيل المعاصر وفق رؤية معمارية تراثية معاصرة، وهو ما يتراءى لكَ وأنت تزور المتحف الإسلامي بالدوحة الذي يُطل ببنائه الهندسي الرائع على ساحل الخليج العربي، ويحوي بين أركانه وأضلاعه نفائس الحضارة الإسلامية وكنوزها منذ أبكر التواريخ وحتى اليوم. في الدوحة يمكنك أن تشهدَ ملمحا حضاريا جميلا من خلال زيارة موقع كتارا السياحي، الذي يُذكرك برحلة الفينيق المبكرة، أولئك الذين استوطنوا الخليج بداية ثم هاجروا صوب الغرب وصولا إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، فساهموا في تشييد حضارة شرقية فريدة من نوعها. في كتارا وهو الحي الثقافي يمكن للزائر أن يتعرف على ثقافات العالم، وطرز مبانيه المختلفة، كما تزخر بالمسارح الذي يأتي المدرج الروماني على رأسها، وبها العديد من قاعات الاحتفالات الموسيقية وقاعات العرض وغيرها من المرافق كالمطاعم والمقاهي العالمية الأصيلة، وهو ما يُمكنها من استضافة المهرجانات والمعارض والفعاليات على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي. الأجمل أن موقع كتارا قد أريد له أن يُسهم في تحقيق رؤية قطر الوطنية بنهاية عام 2030م، الطامحة إلى خلق جيل مبدع ومبتكر وواعٍ بما حوله ومُطلع على الثقافات العالمية. على أن جماليات الدوحة لا تكتمل إلا بزيارة سوق واقف الشعبي الذي خضع لعملية تجديد في التصميم مع الحفاظ على الأصالة، فأعيد بناؤه على الطريقة القديمة خاصة في طريقة ترتيب الممرات والأزقة وأبواب المحلات والسُّقف وأحجار أرضيته، وحوى الكثير من المقاهي والمطاعم التقليديّة التي تفتح أبوابها على مدار الأربع وعشرين ساعة، كما تقدم في السوق العديد من العروض الدوريّة للرقصات والموسيقى الشعبية، إلى غير ذلك من الفعاليات المدهشة، التي يقف لها الإنسان إجلالا واحتراما. وهو ما استشعرته حقا خلال زيارتي للدوحة، وبت دون شعور أردد مقولة شكرا قطر؛ شكرا لأنكِ حدَّدتِ رؤيتك التي ترتكز على بُعد حضاري أصيل، وانطلقتِ بخطىً واضحة لتحقيق ملامح ما تراءى لكِ؛ شكرا لأنكِ برهنتِ بالتجربة ألَّا هزيمة مع الإرادة، ولا فشل مع وضوح الرؤية والهدف. [email protected]