ذو الرمة.. أحد شعراء العصر الأموي عاش في الصحراء، وعلى ظهر ناقته، وعايش الحيوانات واستأنس بها وأستأنست به. كان ذو الرمة تلميذًا وراوية للشاعر الأموي (الراعي النميري) الذي سمّي ب»الراعي» لكثرة وصفه للإبل، لكن ذو الرُّمة [بضم الراء وتشديدها] لم يبقَ رهين طريقة الراعي النميري، بل خرج على نسقه إلى نسق شعري خاص له، وله قولته الشهيرة في هذا المجال لما أتهم بتقليده لأستاذه: «الراعي النميري»، حيث أجاب: «أمّا والله لئن قيل ذلك فمَا مثلي ومثله إلاّ كشاب صحب شيخًا، فسلك به طرقًا ثم فارقه فسلك الشاب بعده شعابًا وأودية لم يسلكها الشيخ قط». وفي هذا السياق كان (الأصمعي) يرى أن شعر ذي الرُّمة لا يشبه شعر العرب..!! وقد قيل -فيما بعد- أن شعر (أبي تمام) لا يشبه شعر العرب، وهذا الرأي العجيب الغريب هو أحد آراء نقادنا القدامى..!! لم يستطعْ ذو الرمة الوصول إلى بلاط الخلافة الأموية، فانحسرت عنه أضواء الشهرة كثيرًا، وكان صحراويًّا في إقامته ورحلته، وفي غزله كذلك.. كانت ناقته رفيقه عمره ورحلته، وكان يجد في حيوانات الصحراء سلوته وألفته.. له ديوان شعري له لغته الشعرية الخاصة قد يكون أحد الشواهد اللغوية الشعرية النادرة عند شعراء العرب القدامى. وله قصيدته الطويلة «البائية» التي انفرد بشرحها الشراح، ومات ولم يكملها.. تلك القصيدة التي كانت موضع إعجاب الشعراء وخاصة «جرير» الذي امتدحها بالندرة والتميز... ومن أبيات هذه القصيدة: ما بال عينك منها الماء ينسكب كأنه من كلى مفرية سرب استحدث الركب عن أشياعهم خبرًا أم راجع القلب من إطرابه طرب لا بل هو الشوق من دار تخونها مرًا سحاب ومرًا بارح ترب يبدو لعينيك منها وهي مزمنة نؤي ومستوقد بال ومحتطب ديار مية إذا في تساعفنا ولا يرى مثلها عجم ولا عرب براقة الجيد واللبات واضحة كأنها ظبية قد أفضى بها لبب ولذي الرُّمة روح السيريالية التي عبرت عنها أبياته وصوره الشعرية وتشكيلاته الفنية من مثل أن تصبح الكثبان الرملية سحبًا في الأرض أو تصبح السحب كثبانًا رملية في الفضاء.. لقد كان شاعرًا مالكًا للغة ولموهبة شعرية نادرة وفريدة لكنه كان سيئ الحظ لم تسعفه ظروفه بالإعلان عن نفسه شاعرًا سبق زمنه... وعلى خلاف شعراء العرب القدامى الذين جعلوا من الحيوان عدوًا وضدًا يصورون قتله في أشعارهم على العكس من ذلك جعل ذو الرُّمة الحيوان أليفًا وصديقًا وأنيسًا فلم يصور قتله في شعره.. كان ذو الرُّمة شابًا في الأربعين من عمره، وبفعل فاعل من ناقته التي رهزت به فأسقطته في أرض الصحراء التي أحب، حيث مات في إحدى الروايات.