لئن كان مهرجان الجنادرية في موسمه الحالي (28) قد خالف أعوامه السابقة باختيار امرأة للتكريم واختيارها شخصية العام، فإن هذا التكريم يأتي على خلفية سيرة حافلة للشخصية المكرمة، فالدكتورة ثريا أحمد عبيد، المولودة في العام 1364ه الموافق 1945م قدمت خلال مسيرتها عطاءات عديدة على صُعد مختلفة، من أبرزها أنها الآن عضوة بمجلس الشورى، وتشغل منصب وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، والمديرة التنفيذية لصندوق الأممالمتحدة للسكان، وكانت أول فتاة سعودية تحصل على منحة دراسية في أمريكا، وهي حاصلة على درجة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي كتخصص أساسي، والانثربولوجيا الثقافية كتخصص فرعي من جامعة وين في ديترويت - ميشيغن عام 1974م.. وبين هذه المحطات ثمة جهود كثيرة، وعطاءات متنوعة قدمتها الدكتورة ثريا لتنال حظوة التكريم المستحق في هذا المحفل الثقافي الكبير (الجنادرية)، تكريم لم تخف الدكتورة ثريا سعاتها به، معتبرة أنه سيزيدها شعورًا بالمسؤولية، معتبرة أن أهميته تكمن في سبقه بتكريم أول امرأة سعودية على مستوى الجنادرية.. في ثنايا هذا الحوار مع الدكتورة ثريا سنقف على نظرتها للنقلة النوعية الكبيرة التي تشهدها المرأة السعودية مجتمعيًا في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين، وأهم التحديات التي تواجه المرأة، وقراءتها لأحداث الربيع العربي، وغيرها من المحاور الأخرى.. * بوصفك أول شخصية نسائية تكرم على مستوى مهرجان الجنادرية.. كيف تقرئين هذا التكريم ودلالته لدى المرأة السعودية؟ لقد كُرمت أخوات سعوديات من مؤسسات عديدة في المملكة، فهذه ليست المرة الأولى التي تكرم فيها المرأة السعودية ونتذكر تكريم خادم الحرمين الشريفين للزميلة الدكتورة خولة الكريع، وهي الآن عضو في مجلس الشورى بجائزة الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى ولكن أهمية قرار المقام السامي بتكريم المواطنة ثريا أحمد عبيد كشخصية العام للجنادرية 28 أن هذه المرة الأولى التي تكرم فيها المرأة السعودية في هذا الاحتفال السنوي، وهو المنتدى الثقافي التراثي الدولي الذي يشارك فيه أعداد كبيرة من الخبرات الوطنية والعربية والدولية ويستضيف بصفة خاصة سنويًا دولة صديقة، والصين ضيفة الجنادرية هذه السنة وهذا التكريم بهذا الحجم هو ما يزيد من شعوري بالمسؤولية تجاه خادم الحرمين الشريفين وتجاه بلدي كعضو في مجلس الشورى. نقلة نوعية * دور المرأة السعودية في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز يشهد نقلات نوعية كبيرة.. فإلى أي المراقي تطمح المرأة السعودية؟ نعم لقد حدثت نقلة نوعية للمرأة السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وهي نقلة كبيرة إذا وضعت في الإطار المحلي للمملكة كونها أرض الحرمين الشريفين وهذه النقلة النوعية بنفس أهمية النقلة التي حققها الملك فيصل -رحمه الله- بتعليم البنات وإدخال التلفزيون للبلد ونرى التدرج في تحقيق رؤية خادم الحرمين الشريفين من خلال مشاركة المرأة في الحوار الوطني على مدى سنوات وفي الوفود الرسمية التي تزور دولا صديقة أو تشارك في مؤتمرات عالمية ومن خلال تعيين نساء في مواقع مهمة أبرزها الدكتورة نورة الفايز نائبة لوزير التربية والتعليم لشؤون البنات، ومن ضمن مبادراته ترشيحي لمنصب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة وتوقيع اتفاقية للقضاء على كل أنواع التمييز ضد المرأة، مع تحفظ عام حول اي بند يناقض الشريعة الإسلامية، وقد رأى خادم الحرمين الشريفين أهمية مشاركة المرأة في شؤون المجتمع فأمر بمشاركتها كناخبة ومنتخبة في المجالس البلدية ومن ثم تعيينها كعضوة كاملة العضوية في مجلس الشورى. واعتمد في تنفيذ رؤيته الاستراتيجية على الالتزام بشرع الله والتدرج في النقلة النوعية للمرأة في المجتمع.. أعتقد أن هذه النقلة ليست سطحية وتزينية بل يمكن أن يكون لها عمق اجتماعي تاريخي إذا ما استمر رعايتها والدفاع عنها، التحدي هو الاستمرار في التقدم بغض النظر عن الضغوط المختلفة وهي نقلة حكيمة ومتوازنة فالمرأة في بلدنا لا تختلف عن نساء العالم بصفة عامة ونساء الدول الإسلامية الأخرى بصفة خاصة، عليها نفس المسؤوليات في الأسرة والعمل وربما لا تحصل على نفس الحقوق لذلك خطوات الحركة التاريخية للمرأة السعودية متناغمة مع سياسة التدرج ولكن يريد شباب البلد، نساءً ورجالا، شباب التواصل الاجتماعي والحركة السريعة والعالم الذي يصغر يوميًا عبر تكنولوجيا الاتصالات، سرعة التغيير ومساحة أكبر للحركة، مع وضوح الشروط التي يشاركون في تحديدها والتي يمكن من خلالها أن يتحركوا ومعهم وبهم لابد أن نعمل لننتقل بالمجتمع إلى عالم جديد يجدون أنفسهم وهم ملتزمون بدينهم وفخورون بقيمهم وهويتهم، وعندما يتحدث البعض عن الخوف من «تغريب» المجتمع من خلال فتح مجال أوسع للمرأة والشباب، لابد لنا أن نعترف إن هناك إيجابيات في المجتمع الغربي بما فيها قيم العمل وأهمية المحاسبة والمساءلة وتشجيع العلم والاكتشاف والاختراعات وبلدنا يعج بمنتوجات المجتمع الغربي من الأدوية والملابس ووسائل النقل إلى الجوال وما إلى ذلك حتى طعامنا يأتي كثير منه من الغرب وهناك سلبيات كذلك والتي لابد أن نتعلم تفاديها بحكمة وهناك فروق بينهم وبين مجتمعنا السعودي الإسلامي وهذا طبيعي لأن كل مجتمع نتاج ظروفه وتاريخه وحركته ويضع هذا العالم الجديد سريع التغير مسؤولية كبرى علينا للحوار مع الشباب وفهم طموحاتهم ومعالم العالم الجديد الذين يتفاعلون معه كل يوم علينا أن نجعل مجتمعنا جاذبًا وليس طاردا لهم وهذا هو إطار نقلة جديدة لابد وأن تتحقق في مجتمعنا لنحميه بقوة إيمانه وقيمية وليس بالعنف والخوف والحصر. أهم التحديات * ما هو حجم التحديات التي تواجهها المرأة السعودية.. وكيف تستطيعون كعضوات تناول حلول لمثل هذه التحديات؟ تواجه المرأة السعودية تحديات كثيرة بغض النظر إذا كانت سيدة أعمال أو طبيبة أو محامية أو ربة بيت وكلها ناتجة عن النظرة السلبية للمرأة كأداة «فتنة»، ينظر إليها بالشك بينما خلقها الله لتقوم بأهم دور في المجتمع وذلك تربية النشء من جيل إلى جيل وهذه أعلى ثقة يمكن أن تحظى بها المرأة: رضاء الله عنها كأم تسعي للحفاظ على أسرتها بما فيها السعي للمشاركة في قوت الأسرة فإذا كان البعض يلخصون إنسانيتها في كونها «فتنة» فما عليهم إلا غض البصر كما أمرهم الله عز وجل لأن المشكلة هي في نظرتهم لها، هذا، في نظري، هو أهم تحد أمام المرأة: نظرة الرجل لها وخلع ثوب الإنسانية عنها وتؤثر هذه النظرة في قرارات المجتمع حول أدوارها وواجباتها وحقوقها ويمكن لمجلس الشورى أن يطرح النظم والقوانين التي تحميها وتلبسها ثوب الإنسانية التي حباها الله بها، ولو إن والدي، السيد أحمد عبيد، وجيله من الآباء فكروا بهذه الطريقة لما وجدتني وغيري من أخواتي المواطنات بينكم الآن نكرم لمساهمتنا في إثراء بلدنا اقتصاديًا واجتماعيًا، رحم الله ذلك الجيل من الآباء والأمهات الذين وضعوا ثقتهم في بناتهم ومع تلك الثقة تبني المسؤولية والالتزام والجدية والاحترام والصدق والأمانة. معادلة الحرية * تناولتم في مجلس الشورى العديد من القضايا المتعلقة بالمرأة وكان من أولها وأبرزها مطالبكن بقيادة المرأة للسيارة.. هناك من يرى أن مثل هذه المطالب شخصية ولهذا يتهم الكثير من العضوات بأنهن بعيدات عن تلمس حاجات الجماهير.. فما قولك؟ يتناول مجلس الشورى كثيرا من القضايا المتعلقة بالمجتمع ككل، ومنها ما يؤثر على المرأة في حياتها الأسرية والمهنية، ولم تكن بينها المطالبة بقيادة المرأة للسيارة. وكما قلت تكرارًا إن قضية السواقة هي في حقيقتها حق المرأة في الحركة لتصل إلى مكان محدد والسواقة هي جزء من معادلة تحقيق حرية الحركة الآمنة وهي ليست حلا لكل النساء هناك حاجة لنظرة متكاملة عن حق الحركة لتصل المرأة إلى المكان المحدد لها، فالسواقة هي مكون واحد يضاف إلى وجود مواصلات عامة آمنة وفعالة ومنضبطة تؤمن لراكبها الوصول إلى أماكن مختلفة في المدن وبينها وتخصص بها أماكن للنساء والمكون الآخر هو مراجعة ما تتحمله المرأة من تكاليف انتقال بالسيارات «الليموزين» وتعويضها ضمن راتبها، خاصة إن هذا القطاع من النساء من الطبقة محدودة الدخل وراتبها يشكل إما المصدر الأساسي للأسرة أو مكمل لدخل الرجل وهي تواجه مخاطر كبيرة عند العمل خارج مدينتها كما هو حال المعلمات، وأود هنا أن أقول إنه خلال عملي في نيويورك لم أملك سيارة ولم أقُدْ سيارة واكتفيت بالمواصلات العامة من المترو وحافلات النقل (الباصات) وسيارات الأجرة أو المشي علي قدمي فإذا أوجدت الدولة شبكة متكاملة من وسائل النقل تصبح السواقة مكونًا واحدًا وليس المكون الوحيد، تختار منها المرأة ما يناسبها.. أما القول إن نساء الشورى بعيدات عن هموم المرأة قول مغلوط، فكل واحدة منهن تحمل هموم قطاع النساء مهنتها والنساء في المجتمع من الطبقات المختلفة، ولا تعيش نساء الشورى في عالم بعيد عن الواقع المعاش، لذلك لهن تجاربهن الحياتية والاجتماعية ولهن التزام بالعمل الجاد من خلال مواقع عملهن بما فيها العمل الأهلي ومن خلال مجلس الشورى في تشخيص الواقع والعمل على وضع حلول له. التزام بالشورى * الكثير من المهام ومنها الحقوقية بالذات مناطة بالدكتورة ثريا.. كيف تجدين الوقت للتوفيق بين كل المجالات؟ في الحقيقة جاء تكليف خادم الحرمين الشريفين بعضويتي في مجلس الشورى بعد استمتاعي بسنتين تقاعد أعدت خلالها توطيد جذوري في مجتمعي في المملكة، وقضاء وقت سعيد مع ابنتيّ المقيمتين في لندن، ومع زوجي الذي يقيم في القاهرة، وما تبقي من أسرتي بين جدة والرياض وكنت أتمنى أن تستمر متعة الحرية من الارتباطات الرسمية وارتباطات العمل وكان من الصعب ألا أقبل تكليفا من خادم الحرمين الشريفين الذي رعاني ودفع بي إلى الأمام عندما رشحني للمنصب القيادي في الأممالمتحدة، وليس لي الآن التزام بعمل رسمي إلا مجلس الشورى وبعض الالتزامات التطوعية.. وكنت قد بدأت العمل في كتاب حول صورة المسلم في الروايات الأكثر مبيعًا باللغة الإنجليزية، أي صورة المسلم في إطار الإسلاموفوبيا أو الخوف من الإسلام، ويعتبر هذا الكتاب تحديثًا لموضوع رسالة الدكتوراه التي كانت حول الصورة النمطية للمسلم في روايات القرن السادس عشر في إنجلترا ولم أستطع أن أتابع العمل على هذا الكتاب ولكنني قررت تنظيم وقتي بطريقة تسمح لي بالاستمرار في إعداده، وهو تقريبًا في منتصف الطريق وأدعو الله أن يوفقني في الانتهاء من إعداده. دمار مخيف * كيف تقرئين ما أنتجه ربيع الثورات العربية من خطاب فكري جديد يحدد علاقة الجمهور بحقوقه.. بمقص الرقيب؟ يخيف ربيع الثورات العربية حركات المطالبة بالديمقراطية بسبب ما أتى به من دمار وعنف وتهلكة إلا إنه ثبّت أمرًا أساسيا وهو إن الشعوب تصمت لوقت وهي تعيش تحت قبضة نظم استبدادية ولكن عندما تثور فلا حدود لغضبها بما فيه تدمير الأخضر واليابس، ويبين التاريخ أنه يمكن لمثل هذه الحركات ونتائجها أن تستمر لسنوات عديدة حتى تنضج التجربة، ولقد مرت دول أمريكا اللاتينية بمثل هذه الظروف في الثمانينيات من القرن الماضي واستمرت عشرين سنة قبل أن تتوازن من جديد وتحقق نظما أكثر ديمقراطية وأكثر شفافية مما كانت عليه يحسب فيها للمواطن وآرائه حساب.. وفي منطقتنا، كما في المناطق الأخرى التي مرت بنفس التجارب، أعادت هذه الحركات كلمات الحرية والعدالة الاجتماعية والمشاركة السياسية والكرامة الإنسانية إلى القاموس اللغوي للمواطن العربي بغض النظر عن موقعه الاجتماعي، وأكدت أن العالم أصغر من الكرة الأرضية لأن ما يحدث هنا يعرفه العالم أجمع في لحظته بفضل تكنولوجيا الاتصال والتواصل الاجتماعي، أي لا يمكن غلق النوافذ والأبواب على أنفسنا لأنها جميعًا مفتوحة على مصاريعها ولا يمكن غلقها وهذا ما قصدته عندما تحدثت عن التحدي الذي نواجهه بالنسبة للشباب. فهم جيل الآن ونحن جيل الأمس أو كما يقال نحن الشمس الغاربة وهم الشمس الشارقة ولابد أن نفسح المجال لضوء الشمس الشارقة أن يدخل بطبيعته وبتوجيهنا بدلًا من أن يحرق ما أمامه وما خلفه. تراكم خبرات * ماذا أضاف إليك تواجدك الحقوقي السابق من خبرات.. وماذا ستضيفين للمواطن السعودي من خلال شغلك السابق لمناصب ومنصبك الحالي كعضوة في مجلس الشورى؟ من الطبيعي أن كل منا في مجلس الشورى له خبرته وإضافاته ويثري العمل الجماعي نتيجة تراكم الخبرات، من خلال عملي السابق في الأممالمتحدة تعاملت مع برلمانات عديدة ومن خلال تنظيم شبكات برلمانية في القارات الخمس متخصصة في قضايا السكان والتنمية، وأرجو أن تثري تلك التجارب في عملي كعضو في مجلس الشورى.