ما يزال «الرضا الوظيفي» قضية تُطرح حولها التساؤلات عن كيفية تحقيقه وتطبيقه على أرض الواقع الإداري. فالسعادة التي يشعر بها الإنسان أثناء أداء عمله، ليست أمرًا كماليًا - كما يظن بعضهم - بل هي تتويج طبيعي للإنسان المنتج والاستثمار الوظيفي، ليتبلور مفهوم «الرضا الوظيفي» الذي يحمل في ثناياه عناصر أهمها: الاستمتاع بأداء العمل، والسعادة بما ينجزه الإنسان على الوجه المطلوب، وارتياحه لتقدير المؤسسة التي يعمل فيها، مما ينجم عنه استقرار وظيفي، يضمن مردودًا اقتصاديًا يتناسب مع طبيعة عمله. من النتائج الإيجابية للارتياح الوظيفي، التباين الواضح في نسبة المعاناة من اضطرابات النوم، بين الراضين وظيفيًا وبين غيرهم. ففي دراسة طُبّقت على عينة كبيرة من الأفراد في المجتمع البريطاني (14 ألفًا)، تبين أن الموظفين فاقدي الشعور بالرضا الوظيفي، أكثر عرضة للأرق ورداءة النوم، من غيرهم الذين أفادوا برضاهم عن أعمالهم. كما أبدى كثيرون من المنخرطين في أعمال مكتبية روتينية، امتعاضهم من تأرقهم ورداءة نومهم بالليل، مقارنة بأولئك العاملين في وظائف تتطلب قدرًا كبيرًا من التعليم والحِرَفية. وهنا يأتي دور «إدارة الموارد البشرية» الذي تعطّل في كثير من المنشآت والمؤسسات، واقتصر على إجراءات توظيف الموظفين، بعيدًا عن استقطابهم وتحفيزهم، وتدريبهم وتنمية مهاراتهم، والعمل على تسهيل أعمالهم الوظيفية، لاسيما في المهن التي تتطلب تهيئة نفسية، وذهنًا حاضرًا، وتجنبًا للمنغصات والإلهاءات، والضغوطات الإدارية غير المبررة، كالمهن الأمنية والطبية والتقنية ذات الطبيعة الحساسة. من هنا أرى ضرورة إجراء مسح علمي وظيفي شامل، عن مدى الرضا الوظيفي لدى العاملين في عدد من الوظائف والمهن في المجتمع السعودي، للوقوف على مدى ارتياحهم في بيئة أعمالهم، ومعرفة درجة معاناتهم من اضطرابات مزاج أو نوم مزمنة، تؤثر سلبًا على إنتاجهم الوظيفي، وتكبح جماح طموحهم المهني، ووضع حلول شاملة للمشكلات الإدارية التي تعوق التنمية البشرية، وتسعى بشكل نزيه لمحاربة الفساد الإداري، وتوفير وظائف للأعداد المتزايدة من الشباب العاطلين عن العمل، حرصًا على شعورهم بفوائدهم الاجتماعية، وضمان حصولهم على عائد مادي للإنفاق على مستلزماتهم المعيشية، وتجنيبهم كثيرًا من المشكلات السلوكية والاجتماعية والاقتصادية. [email protected]