لا يمكن لمنصف أن يتجاهل السجل المشرف للمملكة العربية السعودية - حكومة وشعبًا - تجاه كل قضايا أمتها العربية والإسلامية.. فكثيرًا ما نجحت الدبلوماسية السعودية الهادئة والبعيدة عن الإنحياز في حل كثير من تلك القضايا بدبلوماسيتها المتزنة تارة.. وبثقلها وجاهها الدولي تارة.. وبالدعم المالي والمعنوي تارات أخرى. والحالة السورية لم تكن بدعًا في ذلك.. فقد جاء الموقف السعودي الشعبي والحكومي منذ بدء الأزمة في سوريا امتدادًا لنفس المنهج الإنساني السعودي، وعلى نفس خط المبادئ السعودية المعروفة التي تقدم الإنسان على كل ما عداه.. مطالبًا برفع الظلم عن الشعب السوري الشقيق.. وإنهاء مسلسل القتل وحفلات الدم والتدمير والتعذيب التي يقيمها جلاوزة بشار وشبيحته لكل من يجرؤ على رفع صوته مطالبًا بالحرية أو منتقدًا سياسة البطش التي صارت جزءًا من تركيبة ذلك النظام البائس، والتي لا تفرق للأسف بين طفل أو شيخ.. ولا بين رجل أو امرأة!. منذ بداية فصول مسرحية الدم أعلنت السعودية وبوضوح تام ضرورة إيقاف أعمال القتل بحق الأبرياء، وهو ما عبر عنه الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي اختصر رؤية شعبه وبلاده في المأساة السورية بقوله للأسد علنا: «إنك تسير في الطريق الخاطئ، وعليك أن تصحح مسارك، فإن لم تكن لديك خطة لإصلاح المسار فاترك الفرصة لغيرك».. واصفًا المجازر البشعة بحق الإنسان السوري الأعزل أنها ليست من الدين، ولا من القيم والأخلاق. ولأن الدبلوماسية السعودية لا تتحرك تبعًا للأهواء والنزوات، بل تنبع من إدراكها لمسؤوليتها الدينية والإنسانية والتاريخية تجاه أشقائها، وتجاه محيطها العربي والإسلامي، كونها الشقيقة الكبرى لكل العرب.. لذا لم يحدث أن انفصل الموقف الشعبي عن الموقف الحكومي يومًا طوال تاريخهما.. وهذا ما حدث أيضًا في الأزمة السورية فمنذ بداية فصول تلك المأساة وقف الشعب السعودي كله مع أشقائه في سوريا .. لم يكن يهتم حينها بمسألة بقاء النظام أو سقوطه رغم بطشه وظلمه وتجاوزاته، بل كان الأهم هو الإنسان.. الإنسان فقط.. لذا فما أن أُعلن عن فتح باب التبرعات حتى هب الجميع للتبرع بما تجود به أنفسهم حيث بلغ مجموع التبرعات النقدية والعينية بحسب موقع الحملة الوطنية لنصرة الأشقاء في سوريا أكثر من ستمائة وسبعة وسبعين مليون ريال.. كما قامت الحملة باعتماد وتنفيذ 25 برنامجًا إغاثيًا ومشروعًا إنسانيًا في مواقع تجمعات اللاجئين السوريين في كل من الأردن وتركيا ولبنان بتكلفة تجاوزت مائتين واثنين وسبعين مليون ريال. لسنا بحاجة لسرد تفاصيل الدعم السياسي والمالي السعودي للأشقاء في سوريا.. فمصداقية مواقف المملكة حكومة وشعبًا في المشهد السوري واضحة لا لبس فيها.. فحين أعلن الملك عبدالله أن بلاده بكل مكوناتها تقف بشجاعة أمام مسؤولياتها التاريخية نحو أشقائها في سوريا، مطالبًا بإيقاف آلة القتل العمياء، وإنهاء شلال الدم غير المبرر، وتحكيم العقل والمنطق.. وحفظ النفس الإنسانية التي كرمها الله.. فإنه يقر منهجًا وخطًّا سعوديا ثابتًا في سياساتها العربية والإسلامية والدولية.. فالسعودية بلادٌ لا تعرف الانحياز إلا للإنسان.. وهو بالمناسبة أرقي وأرفع وأجلّ أنواع الانحياز.. وأكثرها عدلًا. [email protected]