في آخر تصنيف أجرته مؤسسة ليغاتوم عن أكثر الشعوب سعادة وتعاسة تراجعت الولاياتالمتحدةالأمريكية من المرتبة العاشرة إلى الثانية عشرة، وهي المرة الأولى التي تخرج فيها الولاياتالمتحدة من قائمة السعداء العشرة، منذ انطلاقة هذا المؤشر السنوي قبل 6 أعوام. ويبدو أن الأزمات الاقتصادية هي وراء كل تراجع، فعندما تشتد وطأة الحالة الاقتصادية السلبية تزداد نسب البطالة وينتشر الفقر وترتفع معدلات الجريمة ويفقد الناس شيئاً من الشعور بالأمن ومن ثم ترتفع معدلات التعاسة. أما قائمة العشر الدول الأوائل هذا العام (أي الأكثر سعادة) حسب هذا التصنيف، فقد طغت عليها 4 دول اسكندفانية هي النرويج (رقم 1)، الدنمارك (2)، السويد (3)، فنلندا (7). أما بقية العشر الأوائل فهن استراليا (4)، نيوزيلندا (5)، كندا (6)، هولندا (8)، سويسرا (9)، إيرلندا (10)، وهكذا تستمر دول شقراء في حصد التراتيب المتقدمة إلى رقم 17. ثم حلت 3 دول آسيوية هي هونج كونج (18)، سنغافورة (19)، تايوان (20). ترى ما سر هذه السعادة التي تعبر عنها شعوب هذه البلاد؟ حتما ليست الأجواء الجميلة هي العامل الأول، فالدول الاسكندنافية عموما تجلب الكآبة بأجوائها غير الصحية، فهي في الشتاء لا تكاد ترى الشمس لأسابيع طويلة مع برد مؤلم شديد، ونهار صيفها يمتد 22 ساعة أو أكثر. في نظري أن مؤشر السعادة مرتبط إلى حد كبير بمؤشرات إنسانية راقية تتجاوز المال والطقس والخصوصية و(الشعارات الفارغة) و(التطبيل السخيف). أنظروا مثلا إلى مؤشر الشفافية العالمية، والمراتب المتقدمة التي تحصدها هذه الدول نفسها. من عظيم سعادة الفرد أن يتملكه إحساس (صادق) بأن لا صاحب سلطة أو جاه يسرق ثروات مجتمعه عبر طرق ملتوية ظاهرها (النظام) وباطنها (التدليس) و(الاستغلال) و(الكذب) و(السرقة) ليل نهار. ومن عظيم سعادة الفرد أن يشعر أنه مشارك حقيقي في صنع القرار.. يختار ممثليه ويحاسب مسؤوليه. يراقب أداء كل ذي ولاية عامة أو منصب حساس. لا يتردد في انتقاد أي تقصير علناً دون تأخير، ولا يتردد في المقابل أي مقصر في الاعتذار أو الرحيل. هؤلاء سعداء لأنهم يشعرون فعلاً أنهم شركاء. [email protected]