* يقولون في المثل الشعبي الحجازي «كل فطير.. وطير».. ويبدو أن هذا ما حدث بالفعل للطفل الفقير (محاضر)، الذي بدأ حياته بائعًا لفطائر الموز وأكواب الشاي المعطر في بلدة (ألور سيتار) الماليزية.. لكنه ما لبث أن (طار) بعزيمته وعصاميته ليصل إلى رئاسة وزراء بلاده.. ليطير بها هي الأخرى نحو مقدمة الدول الصناعية والقوية.. بعد أن صنع فطيرة أو (كعكة) نهضتها التي أبهرت العالم كله.. والتي أكل منها فقراء وأغنياء بلاده على حد سواء. * إنه الدكتور (مهاتير محمد) الزعيم الماليزي الأسطوري الذي حوّل بلاده خلال عقدين من الزمن من جزر مفككة تصل نسبة الفقر بها إلى 60%.. إلى إحدى أعظم الدول الصناعية الحديثة.. ناقلا في الوقت نفسه شعبها البدائي المكون من خليط متنافر من أعراق وقوميات وديانات مختلفة ومتصادمة، إلى أمة متحضرة ومنتجة يبلغ متوسط دخل الفرد بها 14 ألف دولار سنويًا.. ولا تزيد نسبة البطالة بينهم على 3% فقط!! * يتباهى أشقاؤنا المصريون كثيرا بمقولة: (اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني)، وهي عبارة طريفة يستشهدون بها على جمال طبيعة مصر، وحلاوة نيلها.. وأجدني أوافقهم في ذلك، بل أشاركهم حب المحروسة وأهلها.. لكنها تظل مقولة مجازية تدخل في باب مبالغات الشعر وتشبيهاته الخيالية والحالمة أكثر من دخولها في أبواب الواقع! أما المقولة الأكثر صحة وواقعية فهي أن من بنى ماليزيا الحديثة، ومن صنع كعكتها الاقتصادية هو حلواني حقيقي وصانع فطائر ماهر اسمه (مهاتير محمد).. ولأنه جاء من بوابة الطب (طبيب أسنان) فما إن تسلم دفة الأمور في بلاده حتى وضع خطة علاجية طموحة وقوية لتحويلها من بلد زراعي يعتمد على تصدير المطاط وحده، إلي دولة ترتكز على الصناعة، وبخاصة صناعة الإلكترونيات والحاسب وبرمجياته، وتصدّر التكنولوجيا والأثاث والسيارات إلى كل الدنيا.. ولم يكتف الشيف (مهاتير) بوضع مقادير فطيرته علي الورق فقط كما يفعل المنظرون، بل شمر عن ساعديه ودخل المطبخ السياسي لتنفيذها بنفسه، من خلال توفير البيئة اللازمة لنجاح طبخته، فكان اهتمامه بتطوير التعليم والبحث العلمي، حيث كان يُردِّد دائما: «إن على المسلمين أن يوازنوا بين دراستهم للدين ودراستهم للعلوم والرياضيات»، ناهيك عن اهتمامه بمشروعات البنية الأساسية اللازمة لقيام النهضة الصناعية الكبرى. * الطريف هنا أن بائع الفطير مهاتير الذي أصبح احد أهم أيقونات التنمية في العالم، كان يردد دوما في محاضراته وكتبه مقولة شهيرة: «إننا نعتقد في ماليزيا أنه من الأفضل أن يكون لك قطعة من كعكة تكبر.. عن أن يكون لك كعكة كاملة تصغر وتنكمش». * محاضرات السيد (محاضر) -كما ينطق اسمه الماليزيون- ليست مجرد هراء سياسي.. ولا هرطقة منظرين بل هي روشتة نجاح وتفوق حقيقية شهد لها العالم كله.. أما سيرته الذاتية فهي دروس عملية ورسالة واضحة لكل مسؤولي ووزراء العالم.. أنه لا شيء يقف أمام الإرادة والعزيمة والإخلاص.. فإما أن تصنع لبلادك ومواطنيك الكعك والفطير.. أو أن (تتوكل على الله).. وتطير. [email protected]