لا أعرف لماذا توقفت عند كلمة عضوة وكلمة عضوات التي وردت في الكتابات والمقالات التي صاحبت الإعلان عن القرار العظيم لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يحفظه الله- بتعيين ثلاثين امرأة في مجلس الشورى السعودي في تشكيلته الجديدة، ومع أن الذائقة تجعلني أتعامل مع الجميع بأنهم أعضاء مجلس الشورى مما يجعل المرأة عضوًا في المجلس، وهو أمر لم أجد ما يبرر العدول عنه إلى الحديث عن العضوة وما تبع ذلك من حديث عن ضرورة ألا يقترب العضو من العضوة، ويراد بذلك تباعد المقاعد مما جعل موقع النساء داخل قبة المجلس موضوعًا اهتمت به الصحف كاحدى القضايا ذات العلاقة بتعيين المرأة ومشاركتها في أعمال الشورى، ولعل مسألة العضوة أو المرأة العضو -كما أطلق عليها أنا- تعود بنا إلى مشكلة المرأة مع اللغة وبخاصة في هذا السياق، ولا بأس أن تذكر شيئًا من ذلك على سبيل الطرافة، ففي المجالس النيابية يقال للرجل إنه (نائب) والمرأة (نائبة) ولكن النائبة في اللغة لها معنى آخر غير مناسب لأنها تعود إلى نوائب الدهر ومصائبه، وهكذا إذا قال الرجل الحق فهو مصيب، أما المرأة فيقال لها حينذاك (مصيبة) كفانا الله وإياكم شر المصائب، وإذا ما تولى الرجل القضاء فهو قاض أما المرأة فيقال لها (قاضية) والقاضية معناها المصيبة العظمى، ويبدو أن علاقة المرأة باللغة في حقل المناصب لم تكن على ما يرام، فهي علاقة متوترة، وهي علاقة يبدو أنها أزلية قديمة منذ ولادة كل منهما فإذا خرج الجنين ذكرًا صارخًا قيل إنه (حي) أما المرأة فيقال لها (حيّة) سلمنا الله وإياكم من الحية، وإذا ما أخذت تمارس نشاطها وهواياتها قيل لها (هاوية) وهو أحد أسماء جهنم. وإذا ما تركنا لسان العرب الذي لم يكن متصالحًا مع المرأة في منحها أسماء مناصبها لتلوذ بما للرجل من ألفاظ في هذا السياق أو ذاك، إذا ما تركنا هذا وعدنا إلى أعضاء مجلس الشورى من السيدات، فليس فيهن الهاوية وإنما الخبيرة ذات التجربة العميقة، والمسؤولة المباشرة عن القضايا الكبرى وليست النائبة عن الرئيس فقط ومنهن القاضية في أمور من شأنها ألا يسد أحد حتى من الرجال مكانها فيها، وإن هذا لعمري كفيل بأن يستفاد من تلك التجارب الجيدة والخبرات والمعارف الخاصة وهذا من باب (وشاورهم في الأمر) ولا يغركم أن الحديث يتجه في ظاهره إلى الرجال ذلك أن اللغويين هذه المرة انتصروا للمرأة حين وضعوا قاعدة شهيرة لخصوها في قولهم (كل جمع مؤنث) يريدون صيغ الجمع في العربية، وهذا الموقف الجريء الذي نواجه به اليوم مشاكل اللغة هو واحد من مواقف وقرارات جريئة حكيمة سوف تعرف الأجيال المقبلة قيمتها الحقيقية.