الكُتّاب كالقضاة يحملون أمانة ناءت بحملها السموات والأرض والجبال.. كأنهم مصابيح تنير الطريق وتُبدي مَواطن الخلل انطلاقاً من قوله صلى الله عليه وسلم «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً».. استنادا الى ذلك رأيت أن أستلَّ قلمي لأسلّط به الضوء على ظاهرة خطيرة بدأت تُلقي بظلالها على العلاقات الاجتماعية وتصيب النسيج الاجتماعي والأسري في مقتل.. إنها ظاهرة الحَجرْ على أموال الأب من أبنائه وذويه طمعاً فيما عنده من أموال يبتغي الأبناء بها الدنيا ويتوق الأب المسكين إلى الآخرة.. وحتى تتم عملية الحجر هذه لا بد وأن يُلقى الأب المسكين في غياهب اللا وعي والادعاء بأنه مصاب بخلل في عقله أو بمرض الزهايمر حتى يَحْبك الأبناء خيوط المهزلة التي يبدو إخراجها أوهي من بيت العنكبوت.. بقدرة قادر يتحول هذا الأب من عاقل إلى مجنون حتى وكأنه يصدق تلك المسرحية فيشكُّ في قدراته العقلية أو النفسية، ويغط في نوم عميق من التغييب في سراديب الوهم واللا حقيقة.. ثم يصحوعلى من يطرق مسامعه فيكتشف أنه كان في كابوس أو جاثوم جلس على صدره ..اسمه عقوق الأبناء. كيف سيكون حاله يا ترى وهو يرى انه كان عليه أن يطبق مدلول المثل العربي «من مأمنه يُؤتى الحذر».. يصحو وهو يسمع صوتاً ينادي:»الجرح بالكف»!! كيف لا وهم أبناؤه الذين خرجوا من صُلبه.. ورعاهم بذرة ثم نبتة ثم زهرة أحاطها برعايته وحدبه وعطفه وحنانه.. فإذا به يقترب منها ليشم رحيقها فيفاجأ أن عُشَّاً من الدبابير قد سكنها، وانطلق في وجهه يلسعه اللسعات القاتلات.. بدل أن يتذوق عسل النحل الذي كان ينتظره من زهوره التي كانت حصاد سنين عمره.. كيف هو حال الزوجة المسكينة والأطفال القصّر الذين ينتتظرون عودته، فيقال لهم إن إخوانكم قد أودعوه المصحة النفسية حتى ينهشوا ما يمتلك؟! كيف هو شعوره حين يسحبه أبناؤه كأنه مجرم حرب ويودعونه في سيارة مقفلة أمام جيرانه ومعارفه ليسلموه إلى المستشفى.. ألا يصبح ذلك الرجل المسكين حياً ميتاً بل قد يكون الموت أهون عليه من قهر الرجال والبقاء ذليلاً لا يقوى على التصرف بما يملك بعد أن كان عزيز قوم؟! موقف ظالم.. بلا شك جاء من أقرب الناس وأحبهم إلى قلبه ليسلبوا به ذاته ورجولته وعنفوانه!! كم من العائلات والأسر الكريمة والوجهاء تعرضوا لهذا العقوق الظالم.. ففقدوا أعز ما لديهم.. فقدوا كيانهم وذواتهم بسبب تلك الدعاوى الظالمة التي أطلقها أبناؤهم.. هل أصبحت القيم والأبوة والأخوة كلاماً مفزعاً كأنه من الماضي الجميل أو كأنه كلام كتب وصحف لا يمت إلى الواقع بصلة؟ ما شعور ذلك المسكين وهو يجلس بين المرضى الحقيقيين وماذا لو تعرض لاعتداء وحشي من أولئك المرضى؟ ما شعوره حين يرى أبناءه يتمنون تعريضه للصعك الكهربائي وكأنه مريض بحق وحقيق؟!! ما شعوره حين يعتذر له المستشفى بعد أن يتأكدوا بأنه في كامل قواه العقلية؟ وما بينه وما بين المرض مسافة تعادل بُعد المشرق عن المغرب؟ إنه قهر الرجال.. وجشع الأبناء الذي يدفع ضريبته آباء لا ذنب لهم إلاّ بسطة العيش التي حباهم الله إياها..! إنني ومن خلال هذا المنبر أطالب بإيقاع أقسى العقوبات على مثل هؤلاء الأبناء.. الذين استهوتهم ملذات الدنيا فنسوا الآخرة.. فأي مال ذلك الذي يبيع بسببه الابن أباه؟ وهل كان الأب سيبيع ابنه من أجل ما يملك.. أليس ذلك الأب على استعداد لكي يفدي ابنه بكل ما يملك بل برُوحه من أجل أن يحيا سليماً هانئاً، أليس ذلك الأب يتمنى أن يكون ذلك الابن أفضل منه هو..إنه موضوع أضعه على مائدة الحوار أمام القراء والمسؤولين عسانا نتوصل لأفكار فاعلة تحد من ذلك «التغوّل» الذي يمارسه الابن العاق بحق والده، بل وقد يعتدي عليه بالضرب أو الركل من أجل الاستيلاء على ما يريد..وأطالب من هذا المنبر بتشكيل لجنة لدراسة هذا الموضوع خاصة من مجلس الشورى الذين نعتبرهم قدوة هذا المجتمع العظيم ونتوسم بهم الخير لايقاف هذه المهزلة وعواقبها الوخيمة وإصدار نظام رادع لكل من يثبت كذب ادعائه من أبناء أو زوجات أو أقارب..وخير ما نختم به طرحنا ما جاء في كتاب الله المبين { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } سورة التغابن مصطفى محمد زيادي – جدة .