قبل سنوات وقبل الثورة الشعبية التي حررت مصر الشقيقة من النظام البائد؛ كانت وسائل الإعلام الغربية -وخاصة الأمريكية- تصف نظام الرئيس المخلوع مبارك بأنه «علماني»، وخاصة في نشرات الأخبار، في الوقت الذي لم أسمع أو أشاهد في أي وسيلة إعلامية مصرية ذلك الوصف، لكن الأهم من ذلك أن أرض الواقع يؤكد علمانية الدولة في معظم اتجاهاتها وخاصة ناتج التعليم ومدخلاته، وقد عايشت ولسنوات طوال بعض زملاء العمل «أكاديميون» وقد قال لي أحدهم -بدرجة دكتور- وبصريح العبارة: أنا كالطفل وقد تعلمت الصلاة هنا!! أي أنه رغم كبر سنّه لم يتلق من التعليم الديني ما يكفي ليتعلم مبادئ الصلاة، بل ربما مبادئ الدين عامة، وليس هذا الزميل وحده من كان جاهلاً بأمور دينه، فقبل أكثر من ثلاثين عاماً وكنت يومها معلماً في معهد المعلمين بالمدينة المنورة، حيث فوجئنا نحن مجموعة من الزملاء بالمدرس الأول - وهو أكبر منّا سنًّا وخبرة - وهو يتحدث عن عدم وجود مشكلة في إتيان الرجل زوجته وهي حائض إذا غسلت الموضع، فتعجبنا من عدم معرفته الحكم الشرعي لمباشرة المرأة الحائض، وما زلنا حتى اليوم نسمع ونرى ونعايش نماذج عديدة من نتاج التعليم العلماني، حيث أن البعض منهم لا يؤدي الصلاة أبداً، أو أنه يؤديها صورة، وربما نجد البعض منهم من يجهل أساسيات الدين كتابًا وسنّة وسيرة وتاريخاً، ولذلك فإن هذه العيّنات بيئة خصبة لقبول أي أوبئة فكرية، أو أمراض عقدية، فليس لديه أي مناعة أو مقاومة!! الحديث عن نماذج من نتاج النظام العلماني -وخاصة في الوطن العربي- بات من الضروريات الكبرى التي تواكب المتغيرات السياسية في أنظمة الحكم في دول الربيع العربي، فقد سئمت الجماهير العربية المسلمة من سيطرة فريق من أدعياء الليبرالية والعلمانية على مقاليد الأمور في البلاد العربية، لأن هذه الشعوب تؤمن بربّها ومقتنعة به إلهاً واحداً لا شريك له، وتؤمن بنبيه ورسوله الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، رغم كل المحاولات والجهود والأموال التي كانت وما تزال تهدف إلى إبعاد هذه الشعوب عن دينها، وكم عانت الدعوة الإسلامية ودعاتها في تلك البلاد من الاضطهاد والتضييق والسجون والتعذيب لأنهم يقولون: ربنا الله!! وليس خافيًا البون الشاسع بين نمط العلمانية المطبق في الغرب وما يتيحه من حرية حركة ونشاط لكل الاتجاهات والأديان طالما يلتزم أصحابها بالأنظمة ولا يخرجون عليها أو يتسببون في أي مضرّة على الغير، لكن النمط العربي ولد ممسوخًا مشوّهًا فهو يتعمّد النكاية بالإسلام وأهله، والتضييق عليهم في كل صغيرة وكبيرة، ناهيك عن محاربته الفاضحة للدين وشعائره، والحرص على تحجيم أو منع التعليم الديني الذي يُعلِّم المسلمين أمور دينهم ويقرّبهم من ربهم، رغم أن المجتمع العربي المسلم يتلهّف إلى التعرف على دينه بصورة صحيحة لكنه لا يجد من الأنظمة حاملة لواء العلمانية إلا التجهيل والتّعمية، ولعل المجتمعات العربية المسلمة التي حدثت فيها تغييرات سياسية سيتوفر لها من الفرص ما سيُعوّضها عما فاتها في التعليم الديني، والتزود بما ينفع الأجيال الناشئة من كتاب الله وسنّة رسوله عليه الصلاة والسلام في الدنيا والآخرة. [email protected]