سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المرأة .. من الاستفزاز و المنع إلى الحوار و بناء النموذج أتمنى أن يتداعى الأخيار أصحاب النوايا الطيبة ، الذين ينشدون الخير للمرأة و المجتمع ، من طرفي المعركة ، و يبدأون حواراً ينصتون فيه لبعضهم و يفندون من خلاله حججهم بروح تنشد الحق والصلاح
أيام تفصلنا -فيما أرى- عن إحدى المعارك التي تدور حول قضايا المرأة ، و ستكون محور حديث المجالس لأسابيع أو شهور قادمة ، و ستدور هذه المرة حول مشاركة المرأة في مجلس الشورى باعتبار قرب إعلان التشكيل الجديد للمجلس ، الذي سيضم المرأة كعضوة لأول مرة في تاريخه ، بناءً على الأمر الملكي قبل زهاء العامين .. و قبل أيام شهدنا معركة حول عمل المرأة في محلات بيع المستلزمات النسائية ، كان ميدانها وزارة العمل ، و فرسانها وزير العمل من طرف ، و مجموعة كبيرة من المحتسبين من الطرف الآخر ، الذين شهروا سلاح الدعاء في وجه الوزير .. وفيما يبدو أننا سنشهد المزيد من هكذا معارك ؛ أرى أن فيها ما هو مفتعل ، و منها ماهو ناتج عن فقدان التواصل بين طرفي المعركة ، و منها ما هو عن جهل ، ومنها ما هو عن عنجهية و تسلّط ، و منها ما يصنف في خانة ردود الأفعال على تصرفات استفزازية لبعض الأطراف ، و هو ما أدى للتطرف وسيؤدي لتضخمه في الاتجاهين ، إلى ارتفاع صوتي التطرف على حساب صوت الاعتدال في المجتمع .. ما يعنيني في هذا المقال هي المعارك التي تقوم بسبب عدم التواصل بين طرفي المعركة ، و عدم فهم كل طرف للآخر ، و عدم تبين الخير الذي ينشده كل طرف و الشر الذي يريد دفعه .. فلكل طرف قناعة و فهم و إدراك خاص لمجمل قضايا المرأة ، وكل يروم الصلاح و الخير لها و للمجتمع ، و لكن وفقاً لقناعاته و مدركاته .. فطرف يرى الخير في تمكينها من المشاركة في إدارة شئونها وشئون البلاد التي تشكل نصفها ، و السماح لمن ترغب في العمل خارج المنزل لسد حاجتها مع مراعاة ما اصطلحنا على تسميته بالضوابط الشرعية ، و طرف يرى الخير في قرارها في بيتها و الانشغال برعاية زوجها و أطفالها فحسب .. ولكل طرف حججه و براهينه و قناعاته التي يرمي بها في وجه الطرف الآخر ولكن من وراء حجاب ، بمعنى أنه لا حوار مع الطرف الآخر من أجل الوصول إلى كلمة سواء .. لذلك أتمنى أن يتداعى الأخيار أصحاب النوايا الطيبة ، الذين ينشدون الخير للمرأة و المجتمع ، من طرفي المعركة ، و يبدأون حواراً ينصتون فيه لبعضهم و يفندون من خلاله حججهم بروح تنشد الحق والصلاح ، فلدى كل طرف ما يجب الاستماع إليه بعناية ، و يؤسسون بحوارهم لحوار مجتمعي هادىء يضع الأمور في نصابها و يوصل المجتمع إلى بر الأمان ويحميه من صراعات متتابعة تذهب بريحه «فلا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم» و تشتت طاقاته ، و تجعل الفشل نصيبه .. مثل هذا الحوار الذي أدعو إليه يجب أن تؤسس له وتطلقه المنظمات الحكومية المعنية ، و تشارك فيه المنظمات الأهلية المعنية بشئون المرأة و الأسرة و المجتمع ، بما فيها وعلى رأسها المؤسسات الإعلامية و الإعلام الجديد .. و أتمنى أن يقود مثل هذا الحوار إلى تطوير نموذج إنساني عالمي -و ليس سعودياً أو محلياً فقط- لحياة المرأة ، يحفظ حقوقها و كرامتها ، و يهييء لها حياة مطمئنة ، بعيداً عن ابتزاز الرجل و استغلاله كما هو الحال حتى في بعض المجتمعات المتقدمة.. إن فكرة تطوير نموذج إنساني مبني على شريعة الإسلام و ما يريده الله لها يحتاج إلى فكر عميق و جهد كبير تتضافر فيه العقول و القلوب و البصائر التي تنشد الخير للمرأة و الإنسان ، و هو عمل مثابر ودؤوب و على النقيض مما هو قائم من توسع في تطبيق قاعدة سد الذرائع ، و سهولة الأخذ بفكرة المنع .. و أذكر في هذا المقام بعض الأمثلة لتوضيح فكرة تطوير النموذج ، منها تجربة شهدتها في حفل تخرجي عند حصولي على درجة الماجستير في القاهرة عام 2005م ، فقد وضع منظمو الحفل في اعتبارهم أن من بين الخريجات وهن بالمئات من لا ترغب في مصافحة الرجال فأعلنوا أن من لا تريد المصافحة فلها أن تضع يدها اليمنى على كتفها الأيسر بدلاً عن المصافحة عند صعود المنصة لتحية رعاة الحفل واستلام وثيقة التخرج. ومثال آخر في مجال المصافحة وهو عدم مصافحة رئيسة وزراء باكستان بينظير بوتو لمستقبليها في المملكة عند قدومها للعمرة و اكتفت بالتحية بوضع يدها على صدرها وكان ذلك في استقبال رسمي . و لدينا أيضاً مبادرة الخطوط السعودية إلى فرض الحجاب على المضيفات ، و هذه أمثلة ليس إلاّ وليست مثلى بالضرورة .. و السؤال هنا لماذا لم نُشغل أنفسنا بتطوير أفكار مماثلة في مناحي حياة المرأة التي تفرض تواجدها مع شقيقها الرجل ، و ذلك بما لا يعطل مشاركتها في خدمة مجتمعها و نفسها ، و يحول في نفس الوقت من وقوعها أو وقوع الرجل في مخالفات لما شرعه الله ، و يحمي المجتمع من التداعيات السلبية لهذه المخالفات التي لا تخفى في الأمم الأخرى. وفي ذات السياق تمنيت لو أن الإخوة الذي ذهبوا لمعالي وزير العمل وطالبوه بإلغاء قرار تأنيث محلات بيع المستلزمات النسائية وجّهوا طاقاتهم و جهدهم لتطوير القرار و النظام بما يحمي المرأة من المخاطر التي يرونها عليها ، بدلاً من الاكتفاء بطلب الإلغاء و المنع ، و التهديد بالدعاء عليه و الشماتة في سلفه رحمه الله ، خصوصاً و أن معالي الوزير أقر بوجود أخطاء و بعزم الوزارة على فرض المزيد من الرقابة و معاقبة المخالفين للضوابط الخاصة بعمل المرأة وطلب التعاون مع الوزارة في ذلك.. بقي أن أقول إنه ساءني ذكر أحدهم د. غازي القصيبي رحمه الله دون الترحم عليه ، و ادعاؤه بأن ما أصابه من مرض هو بسبب دعائه و أنه حتى عندما طلب التوبة دعا عليه !! و أتساءل هنا هل هذا هو هدي قرآننا و سنة نبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم ؟ [email protected]