فريق يرفع يديه بجزيل الشكر وآخر يهمهم، فيما فريق ثالث يجمع التضاد، هذا هو المشهد منذ أن قبل الأمير تركي الفيصل مصافحة نائب وزير الخارجية الإسرائيلية داني ايالون الذي مد يده إليه بادئاً بالمصافحة... ترى هل تستحق تلك المصافحة حال الهذيان والغليان التي أصابت الإعلام العربي؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال دعونا نتعمق قليلاً في المشهد الإعلامي، فها هنا فريق رافض لمبدأ المصافحة يستند إلى إرث قديم من جرائم الاحتلال ضد العرب، وحقيقة على الأرض يمارسها ضد أبناء الأراضي المحتلة، وهذا حقه. وهناك فريق مؤيد للمصافحة، يرى أن هناك ضرورة للتعامل مع الدولة المحتلة للتوصل إلى صيغة تعيد الحقوق المسلوبة، وهذا أيضاً حقه، وما بين هذين الفريقين خرج فريق للرقص على وقع المصافحة، طروحاتهم تزدحم بالمديح والثناء، لذلك تشعرك على الفور بعدم قناعة كاتبها، وإنما هي لأغراض في نفوسهم، فهم يوحون لنا بأنها عمل بطولي، ويذهبون أبعد من ذلك ويستخدمون كل أدواتهم بحثاً عن صفات وأعذار لإقناعنا بضرورة المصافحة بين الأمير تركي الفيصل والمسؤول الاسرائيلي. الغريب في الموضوع أن الفيصل لم يبحث عن أعذار ولم يسع إلى اختلاقها، بل خرج وشرح بكل بساطة ملابسات ما حدث وأبدى وجهة نظره حيالها. وكنت أتصور أنه بخروجه ستنتهي حال الجدل، أو على الأقل تعود إلى مسارها الصحيح! لكن كل ذلك لم يكن مقنعاً لذلك الفريق الذي ما زال يواصل بإصرار عجيب البحث عن أعذار يشرعنها تارة ويصور دوافعها الأخلاقية تارة أخرى. شخصياً قد أتمكن من قراءة فكر هؤلاء المطبلين والمزمرين، فهم منافقون يريدون التقرب فقط، وإلا بماذا نفسر أن صاحب الشأن خرج وطرح وجهة نظره على الملأ، ويصر أولئك في المقابل على إيجاد أعذار لما قام به وإعادة الأمر إلى البطولة والإسلام والتحضر والتمدن؟ وكيف تحولت مصافحة عدو إلى كل ذلك فجأة؟ لا شك أن الموضوع ما كان ليأخذ هذه الأبعاد لولا تدخل أولئك المنافقين، فهو أبسط من ذلك بكثير، وللتوضيح بشكل أكبر دعونا نضع الأمر في هذه الصورة: الفيصل حضر الاجتماع ولم يدر بخلده مصافحة المسؤول الاسرائيلي، لكن المصافحة جاءت من الطرف الآخر، وتمت بعفوية، وظروف الاجتماع هي التي دفعت في هذا الاتجاه. المصافحة بالنسبة للاسرائيليين أمر مستحب، هم يعلمون أنها لا تغير شيئاً في المعادلة لكنهم يتهافتون عليها، حسناً ماذا بعد المصافحة؟ من الطبيعي أن تكون هناك حال من الجدل والانقسام بين مؤيد ومعارض، وأجد انه بحجم وقع المصافحة هناك ضرورة أن نكون صادقين في ردود فعلنا، فالفيصل ليس في حاجة لي أو لغيري لينافقه أو يسبغ عليه مديحاً أو يبحث له عن أعذار، فهو بالنسبة لي ولكثير من السعودين والعرب رجلٌ وطنيٌّ قدم الكثير لوطنه وأمته، لكن على رغم إعجابي به واحترامي له إلا أنني ما زلت أرى أنه دنّس يده بقبول مصافحة المسؤول الاسرائيلي، وأذكر هنا جيداً والده ووالد العزة والكرامة العربية الملك فيصل بن عبدالعزيز طيب الله ثراه وهو يتحدث عن الاسرائيليين ويؤكد أنه لا سلام معهم ما لم ينسحبوا من الأراضي المحتلة، هذا ما تربينا ونشأنا عليه، وبالنسبة لي على الأقل أجد أنه من الصعوبة تغييره، لكن مرة أخرى أقول إنه رأي، وهو بالمناسبة رأي شريحة كبيرة، ويبقى الأمر شأناً شخصياً، وأثق أن الفيصل سيحترمه. في المقابل هناك من يرى أن المصافحة لا تعني شيئاً، فما دامت الدولة لديها سياستها الواضحة فلن يؤثر تصرف فردي في تلك السياسة، وبالتالي فلا يجب أن يعطى أكبر من حجمه، وهذه الرؤية صحيحة أيضاً ولا تختلف في مضمونها مع فريق الرافضين، لأنها ترى الأمور من زاوية أخرى، بيد أن المداهنين لا أجد لهم موقعاً بين الفريقين، بل إنني و«أعتقد أن تركي الفيصل يتفق معي»... لا أجد ما أقوله لهم سوى أننا لسنا في حاجة إلى نفاقكم! [email protected]