( إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) كيف أشكو إلى طبيبي ما بي والذي قد أصابني من طبيبي زاد في جرعة العلاج فصارت مهجتي في منازل التعذيبِ وجدنا كتاباً لابن سينا ، بعدما أغفلنا ذكره ونسينا ، فإذا هو يقول ، ورأيه مقبول: ما أهلك البَرِيّة ، وقتل البهائم في البَرِّيّة ، إلا إدخال الطعام على الطعام ، وترك المشي على الأقدام . ثم قال : عليكم بالنوم بعد الغداء ، والمشي بعد العشاء ، وترك الامتلاء ، والغذاء خير من الدواء . وكنا جلوساً ، فجاءنا أحدهم برسالة من جالينوس ، فإذا هو يقول : يا أهل العقول ، لا يغتسل أحدكم وهو شبعان ، ولا يأكل إلا وهو جوعان ، ولا ينم وهو من الطعام ملآن ، ولا يقطع الليل وهو سهران . وقال من اقتصد في الطعام ، وقلل من الكلام ، وهجر الاهتمام والاغتمام ، عاش في صحة وسلام ، أما سمعتم شاعركم ابن الرومي ، ليت عندنا شاعراً مثله من قومي : فإن الداء أكثر ما تراه يركب من طعامك والشراب قلنا : يحق للمتنبئ المجيد ، أن يقول عنك لما مدح ابن العميد : من مخبر الأعراب أني بعدهم جالست جالينوس والإسكندرا قال : بلغوا كلامي لابن الحسين ، وقالوا : شكراً مرتين . قلنا : وقد ذكرك فقال في بعض الأمثال : يموت راعي الضأن في سربه ميتة جالينوس في طبهِ فهمهم وتمتم وما تكلم . ثم جاء صديقنا أبو عثمان الغازي ، فقلنا : حدثنا عن أبي بكر الرازي . قال : حسبتكم تتحدثون عن الحب ، وإذا بكم تتكلمون عن الطب . قلنا : دعنا من الشجون والعيون ، وحدثنا عن الصحون والبطون ، فضحك حتى بدت نواجذه ، وقال : مات الطب وجهابذه . ولكن أبا بكر ، طيب الذكر ، كان يدنينا ولا يقصينا ، وينصحنا ويوصينا . فيقول : الحسد يذيب الأجسام ، والحقد لا ينفع معه طعام ، والبغضاء لا يهنأ معها منام ، والذكر يشرح الصدور ، ويجلب السرور ، ويسهل الأمور ، ويدخل على النفس النور ، وإياكم والمسكر ، فإنه داء أكبر ، وحرام منكر . قلنا : أنت حدثتنا عن طب الأبدان ، ونعرف أنك فيه من الأعيان ، فحدثنا عن طب القلوب ، فقد نسيناه من كثرة الذنوب . قال : أما سمعتم ابن المبارك ، وهو في الأدب شارك ، حيث يقول : رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها قلنا فماذا قال طبيب العيون ، فإنه ثقة مأمون ، قال سمعته ينشد : وأنت متى أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظرُ رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابرُ قلنا فماذا قال طبيب الأذن ، قال دخلت عليه بلا إِذن ، فسمعته ينشد : لا تسمعنّ الخنا إن كنت ذا رشد فالأذْن نقالة والقلب حَفّاظُ وصن سمعاك عن لغو وعن رفث قد تدخل الناس في النيران ألفاظُ قلنا فماذا قال طبيب الولادة ، فإنه ظاهر الإجادة ؟ قال : ولدتك أمك باكياً مستصرخاً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكَوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا قلنا : فماذا قال طبيب الباطنيّة ، فإنه طيّب النيّة ، قال سمعته ينشد : أكل الحرام يثير داءً دائماً في البطن لا يدري به الجراحُ فكل الحلال فرزق ربك واسع إن الذي ترك الربا مرتاحُ قلنا : فماذا قال طبيب العظام ، فإنه من الرجال العظام ، قال سمعته ينشد : عظامك أنقذها ولحمك من لظى جهنم فالأجسام تُشوى وتحرقُ وإياك إياك الحرام فإنّه تقطع أوصال به وتمزّق قلنا : فماذا قال الطبيب النفسي ، قال سمعته ينشد ، حين يصبح وحين يمسي : يا نفس هل من توبة مقبولة ضاع الزمان وأنت في العصيان أو ما ترين الموت أشهر سيفه كم راع يوم الروع من إنسان قلنا : فمن أعظم طبيب ؟ قال : محمد الحبيب ، صاحب النهج العجيب ، والرأي المصيب ، قلنا : أوصنا بوصية ، لينة غير عصية ، فأنشد : خذ ما أردت من العلاج فإنه لابد من موت يقطع ذا العرى مات المداوِي والمداوَى والذي