يستوقف القارئ إقبال المحققين والشُّرَّاح لديوان الإمام الشافعي - رحمه الله - والدراسات التي افتتحت بها تلك الشروح ، ومن أبرز من حقَّقوه زهدي يكن الذي قال عنه في مقدِّمة تحقيقه : " فلا بِدْع أن تطلع شمس الآداب من اُفق أشعاره ، وأن تتفجَّر البلاغة من خلال أثاره ، فهو الشاعر الفرد الذي تنقاد إلى يراعه دقائق المعاني ، ويحوك الكلام على حسب الأماني ، مخيطاً الألفاظ على قدود المعاني ، يجتني من الألفاظ أنوارها ، ومن المعاني ثمارها ". ومن المحقِّقين أيضاً محمد عفيف الزُّعبي ، ود. محمد عبد المنعم خفاجي ، ود. محمد إبراهيم نصر ، ود. اميل يعقوب ، وغيرهم ،حيث أشاروا في مقدِّماتهم إلى ما امتاز به شعره من عمق التَّجربة ، وحرارة العاطفة ، وسلامة المعنى ، وإصابة الغرض ، وجودة السَّبك ، وبراعة الإيجاز . لقد امتلأ شعر الشافعي - رحمه الله – بنور الإيمان ، وضياء القلب ، وعلو الهمَّة ، والتَّرفع عن التَّوافه والأحقاد ، وحظوظ النفس الأمارة بالسوء ، يقول في بعض أبياته : لَمَّا عَفَوْتُ وَلَمْ أَحْقِدْ عَلَى أَحَدٍ أَرَحْتُ نَفْسِي مِنْ هَمِّ الْعَدَاوَاتِ إنِّي أُحَيِّي عَدُوِّي عِنْدَ رُؤْيَتِهِ لِأَدْفَعَ الشَّرَّ عَنِّي بِالتَّحِيَّاتِ وَأُظْهِرُ الْبِشْرَ لِلْإِنْسَانِ أَبْغَضُهُ كَمَا إِنْ قَدْ حَشَى قَلْبِي مَحَبَّاتِ وَلَسْتُ أَسْلَمُ مِمَّنْ لَسْتُ أَعْرِفُهُ فَكَيْفَ أَسْلَمُ مِنْ أَهْلِ الْمَوَدَّاتِ ويبيِّن في بعض أبياته حاله مع الفقر والغنى ، وكيف أنه يجود بما لديه ، ولا يخشى الفقر ، بل لا يظهر فاقته للآخرين ، وإنَّما يناجي بشكواه خالقه ومولاه، يقول : أجودُ بموجودٍ ولو بتُ طاوياً عَلَى الجُوعِ كَشْحاً والحَشا يَتَأَلَّمُ وَأُظْهِرُ أسبَابَ الغنَى بَيْنَ رِفْقَتِي ليَخْفَاهُمُ حَالِي وإنِّي لَمُعْدَمُ وبيني وبينَ الله أشكو فاقتي حقيقاً فإنَّ اللهَ بالحالِ أعلمُ وحين يتحدث عن الدُّنيا فإنَّها يراها كما صوَّرها القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبوية الشريفة ، فهي دار غرور ولهو وزينة ، والعاقل من اجتنب الانغماس وراء زخارفها ، يقول رحمه الله : وَمَنْ يَذُقِ الدُّنيا فإنِّي طَعِمْتُها وسِيقَ إِلَيْنا عَذْبُها وعَذَابُها فلم أرَهَا إلا غُرُورًا وباطلاً كما لَاَحَ فى ظَهْرِ الفَلاةِ سَرَابُها وما هِي إلا جِيفةٌ مُسْتَحِيلَةٌ عَلَيْها كَِلابٌ هَمُّهُنُ اجتذابُها فإن تجْتَنِبْهَا كُنْتَ سِلْمًا لأهْلِها وإنْ تَجْتَذِبْهَا نَازَعَتْك كِلاَبُها فَطُوبَى لِنَفْسٍ أُودِعَتْ قَعْرَ دَارِها مُغْلَّقَةَ الأَبوَابِ مُرْخَى حِجَابُهَا ومن بدائع أشعاره ما ورد في حثِّه على كثرة التَّرحُّل في الأرض ، والنَّقلة من مكان إلى آخر لطلب العلم أو الرِّزق ، يقول : ما في المُقَامِ لذي عقلٍ وذي أدبِ مِنْ رَاحَة ٍ فَدعِ الأَوْطَانَ واغْتَرِبِ سافر تجد عِوَضاً عمَّن تُفارقهُ وَانْصِبْ فَإنَّ لَذِيذَ الْعَيْشِ فِي النَّصَبِ إني رأيتُ وقوفَ الماء يُفْسدهُ إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ والأسدُ لولا فراقُ الأرض ما افترست والسَّهمُ لولا فراقُ القوسِ لم يُصب والشمس لو وقفت في الفلكِ دائمة ً لَمَلَّهَا النَّاسُ مِنْ عُجْمٍ وَمِنَ عَرَبِ وفي أغلب ديوان الشَّافعي تتوافر الحكم التي وتبرز في موضوعات شعرية كثيرة إذ لا تخلو قصيدة من هذا الجانب . * الجامعة الإسلامية – المدينة المنوَّرة Mh1111m@ : تويتر [email protected]