* هذه كلمات عن إنسان أكرمه الله مع آخرين بترتيل القرآن وتجويده إماماً للمسجد الحرام وخطيباً في منبره، وراعياً لشؤونه وأحواله، ذلكم هو الفقيد والشيخ الجليل محمد السبيل.. عليه من الله سحائب رحمته وعفوه ورضوانه، ويحسب للفقيد - رحمه الله - شمائل وفضائل عديدة أكرمه الله بها، منها مواساته للآخرين عرفهم أو لم يعرفهم باذلاً جاهه لهم متى قصدوه وتوجهوا إليه، وكان سمته المتواضع الذي يصدر فيه عن طبع وسجية مما لا تخطئه العيون وتتفق حوله المشارب والمنازع، وفيما يمكن لكاتب هذه السطور روايته والحديث عنه دون تلجلج أنني شاهدته يسير خلف جنازة الوالد المرحوم عبدالله البصنوي - أحد أشهر مؤذني المسجد الحرام في الحقبة الماضية ومن أكثرهم حضوراً ودراية، حتى إذا ما أدخلناه القبر في حجون المعلاة لمحته - رحمه الله - يفترش عباءته على الثرى فاقتربت منه سائلاً إياه أن يتخذ مجلسه بين كبار السن من الحاضرين فرد بكثير من اللطف والوداعة بأنه يجد راحته فيما اختاره من مجلس وكأنه يستحضر في نفسه الممتلئة صفاء ونصاعة نهاية هذه الحياة التي كتب الله فيها على عباده ومخلوقاته الفناء وتفرَّد وحده - عز وجل- بالديمومة والبقاء والأزلية. * وقصدت داره بعد أن رحل ابنه عمر - رحمه الله - معزياً وقدمني له ابنه المهذب زميلنا الدكتور عبدالعزيز، فوجدته - رحمه الله - وقد طوى نفسه حزناً وكمداً على فلذة كبده وقرة عينه، وجدته راضياً محتسباً وتلك حال النفوس المؤمنة الراضية بقضاء الله وقدره، وحدثني- عندئذ- عن لقائه بشيخ القراء وأستاذ الأئمة في الحرم النبوي الشريف الشيخ حسن الشاعر - رحمه الله - وكيف أنه قدم لمكة المكرمة في مطلع التسعينيات الهجرية وكان برفقته الشيخ صالح قزاز - الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي - آنذاك - واقترب من الشيخ السبيل الذي فرغ لتوه من صلاة جهرية قائلاً له: لقد أجدت في قراءتك وترتيلك، فإذا بالشيخ القزاز وهو حافظ أيضًا لكتاب الله - يؤمن على ما أفضى به الشيخ الشاعر صادقاً عن مكنون نفسه، ويمكنني القول: إننا برحيل الشيخ الوقور والخطيب المفوه - محمد السبيل- فقدنا أحد المرجعيات الدينية الهامة والمعتدلة، ولقد اتسمت حياته بحب الآخرين والحدب عليهم والتصرف بحكمة وتعقل في أصعب المواقف.