المنع من زواج الصغيرة شيء لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، بل خالفه في زواجه بعائشة، التي تزوجها -قطعًا- وهي قاصر بحسب اصطلاح العصر؛ سواء كان القصور بمعنى: عدم المحيض، أو عدم تحمّل النكاح، أو عدم بلوغ 15 أو 18. تزوجها وهي بنت ست سنين، ودخل بها وهي بنت تسع، فهذا إمام المتقين والمشرع لأمته من رب العالمين، يفعل ما ينهى عنه دعاة التجديد، وأفعاله من جملة التشريعات التي يسن الاقتداء بها، أو تدل على الإباحة، لئلا يدّعي مدعٍ أنه حكم خاص به، فالأصل عموم الاقتداء بفعله، ولم يأتِ ما يدل على الخصوصية. ولم يكن ليفعل ما هو "جريمة" حاشاه صلى الله عليه وسلم، وقد وصف بعضهم زواج الصغيرات بأنه: "جريمة". هكذا بإطلاق دون تفريق أو تخصيص. ومن الصحابة من زوج بناته وهن صغيرات في 13 وما دون وما فوق من غير نكير، وهذا مبطل لدعوى عدم صلاحية صغيرة السن للزواج، فلم يكن النبي وأصحابه مضرين بها، وهم خير وأفقه خلق الله. فالتحديد محدث لم يعرفه المسلمون في تاريخهم، حتى نبغ اليوم مَن يرى هذا الرأي، الذي لم يجد جذوره في التراث الإسلامي، إنما وجد في القوانين والأنظمة الغربية المعاصرة، وأول من دعا لتطبيقه في بلادنا، مشرّعو اتفاقيات تنظيم الأسرة في المنظمات التابعة للأمم المتحدة ومؤتمراتها عن: الزواج، والطفولة، والعلاقات بين الجنسين. تحت مفهوم "الصحة الإنجابية"، فمنشأ الفكرة وقانونها غربي علماني خالص، فهي من جملة ما وفد إلينا، فقبلها وروج لها فئة عرف عنهم تحبيذهم التواصل بين الجنسين منذ الطفولة، والاختلاط بين البالغين، فعقولهم إمّا قاصرة عن فهم: أن ما ينتج عن هذا الاختلاط، هو عين ما يخافونه من زواج القاصر. أو مدركة محيطة بكل ذلك، فما لهم مقصد سوى التضييق على العلاقات الشرعية، والفسح للعلاقات المحرمة. لكن ألم ينتج عن هذا الزواج ظلم للقاصر؟. بلى، ويوجد مثله في زواج الراشد، وقد أفاد متحدث في وزارة العدل أن زواج الصغيرات ليست ظاهرة، بحسب قيود النكاح في المحاكم، ولو فرض أنها ظاهرة، ففي زواج الراشدات من المشكلات مثلها وزيادة، وقد علم أن نسب طلاقهن تجاوز 30%، فهل نمنع زواجهن أيضًا، أم نعالج موضع الداء؟. حسنًا، أَوَليس يجوز التضييق على المباحات بالمنع، إذا أسيء استعمالها؟. النصوص أباحت زواج الصغيرة، وجعلت لها عدة إذا طلقت، فقال تعالى: (فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن). نعم، المباح إذا أفضى إلى محرم، جاز المنع منه بما لا يفضي إلى محرم لا مطلقًا، وفي تحديد سن الزواج بقانون عام، تحريمٌ مطلقٌ لمباح بغير موجب؛ أن يكون ظاهرة. وهذا لم يثبت بيقين، فالمنع منه مطلقًا حينئذٍ تشريع للتحريم بما لم يأذن به الله، إنما المناسب لأحكام وقواعد الشريعة، منع الولي من تزويج ابنته الصغيرة، في حال عدم تحمّلها النكاح وأعباء الزوجية، أو عدم رضاها، فيكون حكمًا خاصًّا لا عامًّا، هكذا يعالج موضع الداء، أمّا تعميم الدواء على الأجزاء السليمة فموجب لفسادها؛ فطائفة من الفتيات دون 15 أو 18 صالحات بدنًا وعقلاً، ولهن في الزواج رغبة، أليس من الظلم منعهن حقهن؟