المتأمل في الشريعة الإسلامية يجد أن عباداتها ومعاملاتها تتفاوت في الرتبة والمنزلة حتى لو كانت من نفس الجنس, بحيث يكون بعضها تابعًا لبعض أو فرعًا عنه, فإذا حكم الشرع بسقوط أصل متبوع فإن هذا يقتضي سقوط الفرع التابع له, ومن القواعد الفقهية القريبة من قاعدتنا قولهم: «الفرع يسقط بسقوط الأصل». ومن الأمثلة التطبيقية لهذه القاعدة أن من أسقط عنه الشرع الصلاة المفروضة بسبب حيض أو جنون أو إغماءٍ مثلا, فإن رواتب تلك الصلوات تسقط عنه, ولا يستحب له قضاؤها؛ لأن الفرض هو الأصل المتبوع, وقد أسقطه الشرع, فيسقط تابعه وهو النفل, ودليل سقوط الصلاة في هذه الحالة قول النبي صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق» رواه أحمد والنسائي وأبو داود وابن ماجه, وقول عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن الحائض, تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة, رواه مسلم -واللفظ له- وأحمد، ومن الأمثلة التطبيقية أيضا أن المجاهد في سبيل الله إن كان فارسًا، أي راكبا فرسا أثناء جهاده, وربما يلحق به في هذا العصر قائد المدرعة والدبابة والطائرة، يستحق من الغنيمة ثلاثة أسهم, واحد في مقابل جهده, واثنين في مقابل إنجازه المتقدم بسبب الوسيلة التي يستخدمها, فيذكر الفقهاء أن المجاهد الفارس إذا مات سقط السهمان المخصصان له بسبب فرسه، أو مركبته في هذا العصر؛ لأنه فرع تابع, أما لو مات الفرس أو تلفت المركبة مثلا فإن الأسهم الثلاثة تبقى مستحقة للفارس؛ لأنه أصل متبوع. ومن الأمثلة التطبيقية أيضا أن الدائن إذا أبرأ مدينه وسامحه عن الدين, فإن هذا يؤدي إلى إبراء الضامن والكفيل لو كانا؛ لأنهما فرع عن الأصل وهو المدين, أما لو أبرأ الدائنُ الضامنَ أو الكفيلَ, فإن هذا لا يقتضي إبراء المدين؛ لأنه الأصل. إلا أن هذه القاعدة الفقهية لا تخلو من استثناءات, منها ما لو انقطعت اليد من فوق المرفق, وبالتالي تعذر غسل محل الفرض, وهو الأصل, فإن المتوضئ يستحب له غسل باقي عضده, وهو الفرع؛ تطبيقا لسنة التحجيل, فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل» رواه البخاري ومسلم.