الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد،،، رفع الله جل وعلا الحرج والمشقة عن المسلمين، فقال تعالى: «وما جعل عليكم في الدين من حرج»، فرخص لهم في بعض الأمور؛ رفقا بهم ورفعا للمشقة عنهم، بل واستحب الشرع أن يتذوق المسلم الرخص الشرعية، وألا يترفع عليها بداعي الورع والاحتياط، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته»، رواه أحمد وابن حبان، وفي رواية عنده: «كما يحب أن تؤتى عزائمه». وأوضح مثال على الرخص التي أجازها الشرع الرخص المتعلقة بالسفر، مثل قصر الصلاة وجمعها، وترك صلاة الجمعة، والفطر في رمضان، والمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها، وقد وردت نصوص الكتاب والسنة بهذه الرخص، وأجمع العلماء على جوازها مع اختلاف بينهم في بعض تفاصيلها وجزئياتها. فإذا أراد المسلم أن يسافر بقصد المعصية، كالسفر من أجل الزنا والخمر والشهوات أو لقطع الطرق وإخافة الآمنين، فلا يجوز له هذا السفر، فإذا شرع فيه فلا يجوز له الأخذ بأي رخصة من الرخص الشرعية؛ لأن الرخص لا تناط بالمعاصي، وهذا هو معنى هذه القاعدة الفقهية. وفي هذه الحالة يجب عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها بتمامها، وأن يشهد الجمعة، وأن يصوم في رمضان، وأن يقتصر في المسح على الخفين على يوم وليلة، وكأنه لم يسافر؛ لأن الشرع حرَّم عليه هذا السفر، وبالتالي ألغى جميع الرخص المناطة به. ومن المهم التنبيه إلى أن السفر إذا كان مباحا ثم ارتكب المسلم معصية في أثنائه، فإن هذه المعصية لا تمنعه من إتيان الرخص؛ لأن المعصية حدثت في السفر، وليست بسبب السفر، وليس أحد معصوما إلا الأنبياء. فلو سافر المسلم للتجارة، ثم ارتكب أثناء السفر معصية ولو كبيرة من الكبائر كشرب الخمر والزنا، ولكنه في نية عقد السفر لم يسافر لهذا الغرض، فيجوز له -والحالة هذه- أن يترخص برخص السفر المذكورة. ومن تطبيقات هذه القاعدة الفقهية ما لو أغمي عليه بسبب محرم، كما لو تعاطى مخدرا عمدا، ففاتته عدة صلوات، فيجب عليه إذا أفاق أن يقضي تلك الصلوات؛ لأن تركه لها كان بسبب معصية، والرخص لا تناط بالمعاصي، والحال أنه لو أغمي عليه بغير سبب محرم كمرض مثلا، ففاتته عدة صلوات، لا يجب عليه قضاؤها؛ لأنها فاتته بغير سبب محرم.