قبل عام ونيف أنشئت هيئة مكافحة الفساد (نزاهة) واختير لقيادتها رجل أجمع الناس على كفاءته وخبرته وهو معالي الأستاذ محمد الشريف، ومنذ ذلك التاريخ عكف الرجل الشريف على وضع القواعد والأسس التنظيمية للهيئة الوليدة، واستقطاب الكفاءات البشرية اللازمة لأداء مهمته وتمكن من إنجاز هذه المهمة الكبيرة في أشهر قليلة. لقد جاء تأسيس الهيئة ضمن منظومة من الإجراءات التي اتخذها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز يحفظه الله استجابة لما يدور في ذهنه وأذهان مواطنيه حول القضايا الرئيسة التي تشغل بال الناس وتثير اهتمامهم، وهي قضايا الفقر والبطالة والإسكان والفساد.. ففي ما يتعلق بالقضاء على الفقر اتخذت الإجراءات المتعلقة برفع مخصصات الضمان الاجتماعي وتوسيع شبكة القروض المشجعة للاستثمار الشخصي، وفي ما يتعلق بالبطالة أوجدت الأنظمة والبرامج المساعدة على توظيف السعوديين، وتم إقرار منح بدل البطالة للعاطلين فضلاً عن تطوير البرامج التدريبية والتأهيلية، وفي الإسكان بدأ تنفيذ برنامج النصف مليون مسكن والتوسع في قروض صندوق التنمية العقارية. فماذا عن مكافحة الفساد؟ وما هو الفساد المطلوب مكافحته؟ انه ذلك الفساد الذي يؤدي إلى استيلاء أفراد على مساحات هائلة من الأراضي وحصول أفراد آخرين على امتيازات تجارية شبه احتكارية ويتيح الفرصة لأبناء مسئولين وأقاربهم وأزواجهم ليراكموا الثروات دون رقيب .. هذا هو الفساد الذي أحسب أن الهيئة قد قامت لمكافحته.. وهو الأصعب في تلمسه وإدراكه والإمساك بأطرافه لأنه كالغاز الفاسد تشم رائحته ولا تتبين معالمه. صحيح أن هناك أنواعاً أخرى من الفساد الصغير المستشري مثل الرشوة لصغار الموظفين أو الإكراميات والهدايا وهي كلها مقيتة وينبغي محاربتها، ولكن ما لفت انتباهي مؤخراً هو أن الهيئة أصبحت تعلن ضمن أوجه نشاطها عن سعيها إلى مكافحة التستر والقضاء على الحفر في الشوارع ومعالجة أسباب تأخر تنفيذ المشاريع ونظافة دورات المياه في المدارس واعتبرتها كلها أنواعا من الفساد لابد من التصدي لها، ولعلها تبادر قريباً إلى النظر في أسباب تأخر إقلاع الرحلات أو تمكن المخترقين من العبث ببرامج الحاسب الآلي أو فساد الذوق في بعض البرامج التلفزيونية الهابطة. إن هذا الجهد المشكور من الهيئة لا يمكن أن ينظر إليه إلا باعتباره نزهة حول الفساد وليست حرباً عليه، وهو جهد يمكن أن يستنزف من الهيئة وقتها وفكرها وتركيزها ويبعدها عن الاهتمام بالهدف الأكبر من إنشائها، وأخشى ما نخشاه على الهيئة هو أن ينظر إليها باعتبارها شبكة من الدخان، تحجب عن الأنظار بؤر الفساد وتشغل الناس بأخبار الاتصالات والبلاغات ومكافآت الضبط. للتواصل: [email protected] فاكس : 02/6901502 [email protected]