«المليونيات» هي العنوان الأبرز في المشهد السياسي المصري.. مليونيات ليبرالية وأخرى علمانية، في مباراة تلهب مشاعر المصريين الذين احتفظوا بمقاعدهم خارج المشهد انتظارًا لنتيجة المباراة التي تجري أحداثها في الوقت بدل الضائع، بعد الإعلان عن موعد الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد. .. وكعادة كل المباريات الجماهيرية الحماسية يسقط ضحايا من أنصار الفريقين، إلاّ أن الفريقين مستمران على استكمال وقت المباراة مهما كانت الخسارة. .. الإسلاميون يرفعون شعارات «الشرعية والشريعة والاستقرار.. وأن الاستفتاء هو مقدمة مرحلة البناء لمؤسسات الدولة، وتحقيق أهداف الثورة» .. وتسعى القوى الإسلامية إلى التأكيد على احتفاظها بحق الرد والردع على القوى العلمانية التي ترفض الاستقرار لمصر، وترفض شرع الله.. ونظمت القوى الإسلامية عدة «مليونيات» في الأيام الماضية، كانت أشهرها مليون «النهضة» التي فاق المشاركون فيها الثلاثة ملايين، ممّا اعتبرها الطرف الآخر بأنها استعراض للقوة، وهدفها تخويف القوى العلمانية المصرّة على إسقاط المشروع الإسلامي، والسير بمصر نحو الدولة المدنية التي تتوافق مع ثوابت الشعب المصري، ثم جاءت مسيرة الاتحادية التي وقع فيها صدام دموي مع القوى المدنية في محيط القصر الرئاسي، ويرى الإسلاميون أن القوى المدنية تريد أن تتصدر المشهد، باحتكار ميدان التحرير «أيقونة» الثورة المصرية، ومن بعده ميدان الاتحادية، ولكن ونظرًا للدور «المعادي» للإسلاميين في الإعلام نظم أنصار المرشح السابق للرئاسة حازم صلاح أبو إسماعيل اعتصامًا مفتوحًا أمام مدينة الإنتاج الإعلامي بهدف إجبار الإعلام على تبني خط موضوعي في تناقل الأحداث.. ويبقى الوضع في مصر بين شدٍّ وجذبٍ بين الإسلاميين والعلمانيين حتى تضع موقعة الاستفتاء أوزارها، ورغم تحذير الخبراء من اللجوء للشارع عبر المليونيات، داعين للتوافق، وللحوار رغم رؤية بعض الخبراء بأن رصيد التوافق والحوار قد نفد بمقاطعة القوى المدنية لجلسة الحوار التي دعا إليها الرئيس محمد مرسي. «تسليك» قنوات الاتصال ويرى أحد دعاة مبادرة الجماعة الإسلامية، وأمين عام منتدى الوسطية خالد الشريف أن الوضع الراهن الذي تمر به مصر حاليًّا يتّسم بقدرٍ كبيرٍ من الخطورة والحساسية، داعيًا كل أطراف العملية السياسية إلى تغليب العقل على مشاعر الغضب التي تنتاب البعض، وأن يتم تغليب مصلحة الوطن على المصالح الضيفة. وقال «الشريف» إن المبادرة التى أطلقها حزب البناء والتنمية تأتى في إطار حرصه على الحوار والتوافق، ورغم عنت القوى المدنية ورفضها مبادرة الرئيس، وأن مبادرات الحزب تدعو لتحريك المياه الراكدة، وتخفيف حالة الاحتقان في الشارع المصري، ونرى أن هناك نذر خطر تهدد الوطن، وتعرقل مسيرته نحو الحرية والديمقراطية، واستكمال بناء مؤسساته الدستورية، خاصة أن بعض الأطراف لجأت إلى العنف بغرض إغراق البلاد في الفوضى لتحقيق أهدافهم الخاصة، مشيرًا إلى أن أخطر الدعوات التي ظهرت خلال الأزمة دعوة الجبهة الوطنية للتغيير للجيش للتحرك والانقلاب على الشرعية الدستورية، وإعلان الأحكام العرفية، وهو ما يمثل إضاعة عامين من نضال الشعب المصري، ومسيرته نحو الديمقراطية، وبناء مؤسساته بعيدًا عن النظم الشمولية، وانتهاء المرحلة الانتقالية بكل ما فيها من خلافات وتوترات. وعن مسارات الأزمة، قال «الشريف» إن الشعب المصري هو سيد الموقف، والذي يجب الاحتكام به في حال إصرار الأطراف على مواقفها من الأزمة، وأنه لا يوجد «وصي» على الشعب المصري، وهو وحده «سيد قراره ومصيره»، وأضاف «الشريف»: نحن أمام أزمة وعلينا أن نتحرك ونطرح حلولاً للأزمة من خلال الحوار، ونرى أن ما جاء في مبادرة الرئيس يُعدُّ أمرًا معقولًا، ويسير ويحقق مطالب كل الأطراف، ودون غلبة أحد على الآخر، ومن قاعدة أن الشعب هو سيد الموقف، ويرى «الشريف» أن دماء المصريين خط أحمر يجب ألا تتجاوزه القوى السياسية المختلفة في مصر، مؤكدًا أن السبيل الوحيد للأزمة الناشبة في البلاد الآن هي الجلوس على مائدة الحوار، ومشدّدًا على أن دماء المصريين غالية، ويجب الحفاظ عليها، وأن تعلي القوى السياسية من شأن النضال السلمي، ونبذ العنف، وأن يحتكم الجميع إلى صناديق الاقتراع في الاستفتاء على الدستور، مؤكدًا على أنه بالحوار والتوافق والتعايش تزدهر الأوطان، أمّا بالعنف والاستقطاب تنهار الأوطان، فلتنظر القوى السياسية أين تقف.. مع العنف والتراشق بالحجارة، أم مع الحوار والنضال السلمي، داعيًا إلى إخراج بقايا فلول النظام السابق من المعادلة السياسية، لأنه لا يزال لديهم رغبة قوية في نشر الفوضى في كافة أنحاء البلاد. الثورة تضل الطريق وأشار الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية محمود حمدي أبو القاسم إلى أن مصر تمر بمحنة عصيبة، توشك أن تتحوّل إلى فتنة كبرى، وتعود الأزمة في جوهرها إلى أن الثورة المصرية ضلت طريقها عندما غلب الصراع السياسي بين شركاء الثورة على التمكين لأهدافها الحقيقية، بل تحوّلت هذه الأهداف إلى «قميص عثمان» الذي يستدعيه كل طرف من حين لآخر من أجل المزايدة وقصف المنافسين، وقد أعطى هذا الصراع أريحية كبيرة لقطاعات واسعة من الناقمين على الثورة من رموز النظام السابق، ورجال الأعمال، والخائفين من الحساب، ومَن سيفقدون المميزات المتعلقة بالمناصب والوظائف إلى الاطمئنان بأن الثورة على وشك الفشل. وقال «أبو القاسم» إن الأزمات المتتالية كشفت عن سوء تقدير من جانب الرئاسة المصرية لمعطيات الساحة السياسية المصرية، ويمثل امتدادًا لقلة الخبرة السياسية لدى جماعة «الإخوان المسلمون» وكوادرهم، وضعف واضح في التعامل مع الأزمة السياسية، وفقدان كبير لصناعة السياسات وإدارة الأزمات، واستمرار سياسة الاستحواذ، والانفراد بالقرار، محذرًا من حالة الاستقطاب الحاد الذي تلعب عليه أطراف داخلية وخارجية لتعميق الهوة بين المصريين، وجرّهم إلى معارك وهمية مع الأسف، حيث يدلو فيها كل فريق بدلوه، من أجل استنزاف طاقة مصر والمصريين، وإبعادهم عن تلمس مسار الثورة الحقيقي الذي يعيد لمصر والمصريين مكانتها ومكانتهم. وفي معرض ردّه على مآلات الوضع الحالي، أكد «أبو القاسم» أن الرئيس «مرسي» أمام اختبار صعب، وأن سوء إدارة العملية السياسية سوف يدفع الشعب المصري فاتورة الخلافات السياسية، والفشل في إدارة هذه الخلافات.