قرآن كريم أنزل من لدن حكيم عليم، هو الحق إلى يوم يُبعثون. ولأنه الحق، تظل نواميسه سارية لا تتبدّل، وأحكامه قائمة لا تتغيّر. ومن تلك النواميس والقوانين أخلاقيات بعض البشر.. أقوالهم، وأفعالهم، وأحلامهم، وأمنياتهم. أولئك هم المجرمون حقًّا كما سمّاهم الله -عز وجل- فقال: (وكذلك جعلنا لكلِّ نبيٍّ عدوًّا من المجرمين). وعداؤهم للأنبياء ليس شخصيًّا بقدر ما هو عقديٌّ. إنها الأيديولوجيا نفسها، التي تُسيِّر هؤلاء، فلا ينفكون عن حرب الله ورسوله. هؤلاء هم الأعداء الدائمون، والسفراء المعتمدون لدى سلطنة أبي جهل، وعتبة، وربيعة، وابن سلول، وزعماء بني النضير وقريظة وقينقاع. هؤلاء يتكررون على مدى التاريخ، منذ نوح عليه السلام، وحتى تخرج الدابة من الأرض، وتطلع الشمس من مغربها. ومن الخطأ الكبير أن يظن عاقل أن هؤلاء سيختفون، أو يتراجعون، أو يستحيون! وجود هؤلاء دلالة الحق الذي جاءت به آيات ربنا، وأقوال نبينا. ومن هؤلاء مَن لا يمانع في رفع صوته إلى أبعد مدى؛ ليثبت أنه مسلم مؤمن، تمامًا كما فعل المنافقون الأوائل في حضرة النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام، فجاء خبر السماء ليثبت كذبهم، ووقاحتهم: (والله يشهد إن المنافقين لكاذبون). والمؤمن حقًّا سيصيبه العجب لو خلت الساحة من هؤلاء بكل أطروحاتهم السخيفة، وكل خصوماتهم الفاجرة، وكل أكذوباتهم البيّنة، وكل أعذارهم الواهية. في القلوب عداوات سافرة، وفي الصدور ظلمات جاثمة، لا تحب إلاّ صوت الباطل، ولحن الزيف.. (يبغونها عوجًا)! دائمًا يحلمون بانتفاش الباطل؛ لأنهم لا يجيدون السباحة إلاّ مع تياره.. يغذي فطرهم المنتكسة، وسلوكياتهم المنحرفة، ومع هذا لا يمانعون في ترديد (إنّما نحن مصلحون!!) هؤلاء لا تملأ أعينهم إلاّ قوة الباطل، كالعنكبوت اتّخذت بيتًا، (وإنَّ أوهنَ البيوتِ لبيتُ العنكبوت). وكلّما شعر هؤلاء بوطأة الحق، وقرب انتصاره، كلّما اشتد عداؤهم، وظهر بهتانهم، وكثر كذبهم، ما سلم منهم الأنبياء، فكيف يسلم من هم دونهم! المصيبة الكبيرة الأخرى تأتي من الطيبين، ذوي النيّات الحسنة، الذين يظنون في هؤلاء خيرًا وهم لا يعلمون، فيسيئون إلى أصحاب الخير كذلك من حيث لا يعلمون. [email protected] [email protected]