وهذه إشكالية لم أجد لها حلاً مع ابني في الصف الأول المتوسط. إنه مضمون مقرر التوحيد، الذي هو شرح لكتاب التوحيد الذي كتبه الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- قبل أكثر من 250 عامًا. ابني الذي أحسب أنه لا يختلف عن أقرانه كثيرًا لا يُحسن إلاّ حفظ مضمون الدروس دون فهم، ولا تمييز، ولا إدراك. وبصراحة طريقة الكتاب لا تحفز على غير ذلك، خاصة إذا قُرنت بمعلم لا يُحسن هو الآخر غير ترديد ما تضمنه الكتاب دون شرح جاذب، أو تعليق مشوّق. هذه واحدة! أمّا الأخرى، فامتلاء الكتاب بمصطلحات لم تمر يومًا على مسامع الطفل، ولم يقف عليها بنفسه، في صفحة 33 مثلاً تحذير من الشرك الذي (وقع فيه بعض المنتسبين إلى الإسلام من الغلو في الأنبياء والصالحين، بسؤالهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، والنذر، والذبح لهم، وطلب الشفاعة منهم...) والدروس من 21 إلى 24 تتحدّث كلها عن الشرك الناتج من لبس الحلقة والخيط ونحوهما؛ لرفع البلاء أو دفعه. وأمّا الفصل الثاني بأكمله فيتحدث عن الرقى والتمائم، وعن التبرّك بالشجر والحجر، وعن الذبح لغير الله، وعن النذر لغير الله، وعن الاستعانة والاستغاثة بغير الله وغيرها ممّا كان شائعًا في الجزيرة العربية في الزمن قبل 3 قرون؛ ممّا لا يراه الطفل أبدًا في حياته اليومية، إلاّ أن يكون مع أسرة له في عزلة شديدة، وجهل فاضح، ومنطقة نائية. ما جدوى حفظ الطالب لكل هذه النصوص دون أن يستقر معناها في القلوب، ودون أن ينعكس ذلك على السلوك، خاصة إذا بلغ الرشد، فآوى إلى غش وكذب وزور، ولم يتورّع عند بلوغ أشده عن أكل أموال الناس بالباطل، أو ركوب موجة المخدرات، أو اللجوء إلى العنف وسيلة وحيدة للتعامل مع زوجته وأولاده، وربما حتى أمه وأبيه!! خاطبوا الأطفال على قدر عقولهم، وراعوا البيئة التي تحيط بهم، والواقع الذي يلامس حياتهم، فهم أقدر على التمييز بين خرافة عبادة الشجر والحجر من البالغين في أجيال مضت. [email protected]