* و(حسب الله) لمن لا يعرفه، صاحب فرقة موسيقية شعبية، ذاعت شهرتها في مصر المحروسة أوائل القرن الماضي، حيث كانت هي المفضلة لدى أبناء الطبقتين الوسطى والشعبية.. واللافت في أمر الفرقة -وربما كان سبب نجاحها- هو أنها كانت تمارس تناقضًا غريبًا، وازدواجًا مضحكًا في عملها.. ففي اليوم الواحد كانت تزف عشرات الموتى إلى القبور.. وكذلك عشرات (العرسان) إلى عش الزوجية!!.. لا فرق في ذلك في عرف (حسب الله) وفرقته.. فلكل مقامٍ مقال.. ولكل حالٍ طبّال.. المهم أن تدفع نقدًا وفي الحال!. * بعد صعود نجم الفرق الموسيقية الحديثة.. اُتهم (حسب الله) بالنشاز في موسيقاه، سواءً ما كان متعلقا بالموت أو بالحياة.. فكان من الطبيعي والمنطقي أن يتدهور الحال بالفرقة.. إلا أنها كانت قد ساهمت -دون قصد طبعًا- في تأسيس وإرساء ثقافة عربية جديدة قديمة، يمكن تسميتها مجازًا ب (ثقافة فرقة حسب الله).. وهي ثقافة تتخذ من النفاق والتطبيل مبدأ.. ومن الوصولية هدفا ورؤية.. ومن الطبلة رمزًا.. كما اتخذت لنفسها في كل مؤسسة وإدارة عربية مركزًا.. وأصبح لها طرقها وشيوخها وأتباعها ومريدوها.. تحت شعار «لدينا طبّال.. لكل الأحوال». * ولأن من أهم طقوس فرقة (حسب الله الأصلية) أن أفرادها كانوا ينتظمون بزيهم الرسمي في صفين متقابلين ليسبقوا العريس أو المتوفى في زفته.. ولا يسبقهم في ذلك إلا ضاربو الطبل البلدي.. فقد حافظ ورثته على الطقوس ذاتها.. فتجدهم دائمًا مصطفين بانتظام حول مركز صناعة القرار في الإدارة أو المؤسسة.. محيطين به إحاطة السوار بالمعصم.. لضمان ظهورهم في الصورة.. ولكي يحصلوا دون غيرهم على الامتيازات والحقوق كافة.. وهذه بالمناسبة أولى إشارات الفساد في أي موقع. * قد يقول أحد: إن النفاق قديمٌ قِدَم الإنسان نفسه.. وأن التاريخ العربي مليءٌ بقصص المتسلقين، وحكايا الهبات والأعطيات التي كانت تُمنح لذوي الفصاحة والبيان من الشعراء والمدّاحين دون وجه حق!.. وهذا صحيح.. لكن الجديد والخطير في ثقافة حسب الله هو ازدواجيتها وقدرتها الفائقة على التغيّر والتغيير.. فتلك الفئة من المدّاحين والمطبلين، تملك (قرونًا) تستشعر بواسطتها طبيعة ونوع المسؤول، فإن كان من النوع المحب للمدح والثناء، قامت الفرقة بالتطبيل له وزفه (كعريس) إلى كل ما يشبع تورمه ونرجسيته.. أما ان كان من النوعية المخالفة فإن لديهم من القدرات والألاعيب ما يُمكنّهم من حجب الصوت والصورة عنه، وعزله عن مؤسسته ومرؤوسيه.. فإما أن يستجيب لأهدافهم ومصالحهم.. أو أن يبقى معزولًا حتى تموت كل أوراقه.. وعندها تزفه ذات الفرقة.. ولكن بموسيقى (جنائزية) هذه المرة.. وإلى حيث ألقت رحلها أم قشعم!. * المزعج أن هذه الثقافة ذات القدرة الجرثومية على التكاثر والتوالد.. تعيد إنتاج نفسها في كل زمان ومكان.. حتى باتت هي الثقافة الأكثر نفاذا في أذهان الأجيال العربية الجديدة مما خلق أزمة ومشكلة حقيقية أمام الكفاءات العاملة بصمت.. والمحافظة على مبادئها وأخلاقياتها، في زمن الطبالين والمداحين.. وهي مشكلةٌ أشبه ما تكون بمعادلة رياضية عصية الحل.. أشك في قدرة شخص على فك طلاسمها بمفرده، حتى لو كان ذلك الشخص هو المعلم (حسب الله) نفسه!!. [email protected]