يعود تاريخ الطبلة إلى أكثر من ستة آلاف سنة قبل الميلاد، فلقد عرفتها الشعوب القديمة كنوع من أنواع الطقوس الدينية المقدّسة التي تعبّر عن علاقتهم الوجودية بالكون عبر استدعاء الإيقاع المنتظم للتماهي مع الحياة، ولهذا كانوا يستخدمون الطبلة في طقوسهم اليومية المعقّدة والعادية على السواء، كاجتماعات القبائل للحرب، ولتقديم النذور، ولمعاهدات الصّلح، ولمناداة بعضهم البعض للفرح والابتهاج والأكل والشرب! وكانت لكل شعب من الشعوب طبلة كبيرة مقدسة موضوعة في مكان معلوم يحرسه جيش القبيلة بعناية كبيرة خوفاً من السرقة أو الاستحواذ عليها من الأعداء! فالطبلة كانت أشبه ما يكون بوزارة الإعلام في عصرنا الحديث.ربما تقع المفارقة في كون «الطبلة» التي كانت طقساً وجودياً مقدّساً لدى أجداد البشرية استحالت الآن لفعل محرّم دينياً واجتماعياً، فبعد أن كانت الطبلة تعني دعوة الآلهة لأن تفرض هيبتها على سكان الأرض لكي يسمعوا صوتها ويخشعوا لسماعه تحوّلت لصوت الشيطان! ولعلّ هذا التناقض الدلالي من أقصى اليمين لأقصى اليسار عائد لقدرتها الصوتية العجيبة على تكوين عوالم من الفرح والحزن، وعوالم من السلام والحرب، وعوالم من المتناقضات الكبيرة باختلاف الحالة، وبتبدّل الظروف! ولذلك قيل «الكل يعزف على ذات الطبلة لكن الراقصين مختلفون»، فللطبلة تقاسيم دقيقة جداً لا يجيدها إلا الطبّالون الذين قد يجعلوننا ننتحر من رداءتهم، أو نرقص فرحاً من جودتهم! ورحم الله نزار قبّاني حين قال «وطنٌ عربيٌ تجمعهُ من يوم ولادتهِ طبلة، وتفرّقُ بينَ قبائلهِ طبلة! أفرادُ الجوقةِ، والعلماءُ، وأهلُ الفكرِ، وأهلُ الذّكرِ، وقاضي البلدةِ يرتعشون على وقعِ الطبلة».