في شهر أكتوبر المنصرم احتفلت الجامعة المصرية اليابانية بتخريج الدفعة الثانية من حملة الماجستير في العلوم الهندسية. الذين تخرجوا كانوا قلة في (العدد) وكثرة في (النوعية). هؤلاء يتعرضون عند القبول لعمليات فلترة صارمة بعيدًا عن المجاملات والضغوطات وحب الخشوم. وتشمل الاختبارات مستويات الذكاء والتمكن في اللغة وفحص القدرة على المشاركة في البحوث العلمية وممارستها ونشرها في مجالات علمية مرموقة وموثوقة. وفي المقابل توفر الجامعة ظروفًا مواتية للطالب تسمح له بالتفرغ كليًا للبحث والدراسة تشمل منحه سكنًا لائقًا وراتبًا شهريًا مجزيًا. ذلكم نموذج تشارك فيه الدولة المضيفة (مصر) عبر توفير الأرض والمباني ونفقات التشغيل العادية ورواتب جهاز أعضاء هيئة التدريس المصريين والجهاز الإداري، في حين تتحمل اليابان تكاليف معدات المعامل التعليمية والبحثية ورواتب الأساتذة اليابانيين الذين يمثّلون 15% من إجمالي أعضاء هيئة التدريس. ليست العبرة بالجانب المادي، ولكنه الجانب الخاص بنقل كامل الخبرة أو ما يسمونه في الغرب Know How. صحيح أننا تعلمنا في الغرب، لكننا تعلمنا علوم التخصص، ولم نتعلم فنون الإدارة عبر نماذجها المختلفة الناجحة سواء في الولاياتالمتحدة أو أوروبا أو اليابان وغيرها. وليس من المستبعد تعرض أي ممارسة محلية لضغوط اجتماعية وإدارية مع استثناء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. وهذا الاستثناء الأخير هو أساس جوهري لنجاح تجربة عالمية مشتركة من هذا الطراز الرفيع. ولعل من نافلة القول التأكيد على أن هذا النموذج يمثل ترجمة فعلية لمبدأ الحوار بين الحضارات الذي يتبناه الملك عبدالله، إذ هو حوار متصل مستمر يُمارس يوميًا في أروقة الجامعة وداخل فصولها، منهم نتعلم، ومنا يتعلمون، منهم نتزود بعلوم الدنيا، ومنا يتزودون بثقافتنا وأخلاق وفضائل شريعتنا في أسلوب غير مباشر عبر القدوة الحسنة التي تتم من خلال اختيار موفق لطلبتنا وأساتذتنا وموظفينا. أعلم أن هناك تخوفًا من هذه النماذج العالمية، لكن ذلك لا يجب أن يحول بيننا وبين تجاوز نقاط التخوف، والتي أحسبها قادمة لكنها ستطول لو سلكنا نفس مسار التعليم العام الذي استغرق عقودًا عددًا. [email protected] [email protected]