السمنة المفرطة هي الداءُ الذي صار يشكّل هاجسًا مخيفًا لما يحمل لصاحبه من أمراض متعددة، كثيرًا ما يحذر منها الأطباء، وإنه لأمر مؤلم أن تتفشى السمنة لتلحق أطفالاً في سن العاشرة، وما أدنى وما فوق من ذلك؛ حتى نرى الأطفال يمشون على الأرض وكأنهم بالونات منفوخة من شدة السمنة، وتكاد أقدامهم أن لا تحمل أجسادهم الثقيلة، وذلك مثلهم مثل الكثيرين من الرجال والنساء. وفي اعتقادي ليست الوجبات السريعة فقط هي من مسببات السمنة، ولا فكرة أننا لا نقوم بأداء التمارين الرياضية، وإنما اكتساب السمنة يعود على ما اتخذناه من عادة الإسراف الشديد في تقديم الأطعمة الصحية وغير الصحية، إلى أن صرنا أناسًا «أكيلين»، نأكل شبعًا فوق شبع، ونشرب أنواعًا متعددة من المشروبات الباردة والساخنة فوق بعضها، من دون روية، ثم نلتهم فوق ذلك أنواعًا من الحلويات الشرقية والغربية. فهل تُجدي بعد ذلك التمارين الرياضية لتخفيف السمنة؟ من المؤكد أنها لن تجدي، ولن تجدي أيضًا مع الأسف الشديد في كثير من حالات السمنة جراحة المناظير، غير أن لها تأثيرات سلبية على صحة الإنسان، أمّا إذا أردنا الحل الأمثل لتجنب اكتساب السمنة، فعلينا أن نتبع ما جاء في قوله تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين).. (ولا تسرفوا) أي في أكل، ولا شرب، والإسراف مجاوزة الحد في كل شيء. هذه الآية الكريمة أصل من أصول الدواء. إذ أمرت بالأكل والشرب، وهما قوام الحياة وحرمت الإسراف فيهما وهو سبب كافة الأمراض، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه). ومن هذه الآية الكريمة والحديث الشريف نستشف الأخطاء التي يقع فيها بعضنا، حيث يمتنع عن تناول الطعام فترة طويلة من النهار بحجة النظام الغذائي، ثم ينكب بعد ذلك على الطعام ليتناول منه أضعاف ما امتنع عنه، إلى أن يبشم من كثرة الأكل؛ حتى لا يجد نَفَسًا يتنفسه، وذلك حتمًا سببًا من أسباب اكتساب السمنة المفرطة: وأرجو أن يكون لنا أيضًا في وصايا لقمان عبرة حيث قال لابنه يعظه: يا بني لا تأكل شبعًا فوق شبع فإنك إن تنبذه للكلب خير لك من أن تأكله، وهذه الوصايا أكثر ما تكون عبرة وعظة للأشخاص الذين يتحذون من تناول الطعام والشراب تسلية فلا تراهم إلا وهم يأكلون أو يشربون اللهم لا حسد، ولكن اسأل الله أن يحفظ علينا صحتنا ويلهمنا الصواب في كل الأمور. حميدة يوسف الفارسي - جدة