في أي مشروع سياحي حضاري، لايمكن بأيّ حال من الأحوال تجاهل الحاجات الأساسية للإنسان، وعلى وجه الخصوص حاجاته الحيوية، من مأكل ومشرب ومنامٍ وقضاء حاجة، فهي أساس الخِدْمات في مجتمعات تفخر بتقديم أفضل الإمكانيات الترفيهية للسائحين، معظم أيام السنة. وفي رأيي أن من أهمّ ما يعكس اهتمام المجتمعات المدنية بالسياحة، خدماتها المُتَعلّقة بحاجة الإنسان الطبيعية إلى التخلّص من فضلاته البدنيّة، واستخدام "دورات المياه"، لفكّ الحصْر عن نفسه، وتجديد شعوره بالانتعاش خلال جولته السّياحية، فمجتمع يهتمّ بإرضاء النّاس في مثل هذا الأمر الدقيق، لا شك أن اهتمامه بغيره من الأمور أولى وأفضل، ومرافق تهتم براحة المصطافين في دورات المياه، لا شك في تنافسها على نيل رضاهم في خِدْمات أخرى يراها بعضهم أقلّ أهمية، وأراها لا تقلُّ أهمية عن خدمة "قضاء الحاجة" في جوّ من الهدوء، والنظافة، والارتياح، والخصوصية، وبخاصة على الطُّرق السريعة، والمجمّعات التجارية، التي يقضي فيها الناس أوقاتا طويلة بغرض الترفيه والتسوّق وتناول الطّعام والمشروبات، وبالتالي يحتاجون إلى استعمال دورات مياهٍ تحترمُ آدميتهم، وتنشر ثقافة الذّوق السّليم، وأدب قضاء الحاجة. فخلوّ دورات المياه من الروائح الكريهة، عن طريق الاهتمام بتهويتها بشكل احترافي، وتنظيفها باستمرار على مدار السّاعة، وتعطيرها بمعطّرات الجو، وتوفير أدوات التّعقيم، ومواد التنظيف، فضلا عن تخصيص أماكن لذوي الاحتياجات الخاصة، ومتطلّبات النّساء والأطفال، أمور ليست كمالية، بل تُعطي السائحين انطباعا عن رُقيّ التعامل معهم، وتؤكّد على احترامهم ومجاملتهم، مما ينعكس إيجابا على تحمّسهم للتردد على تلك المجتمعات، خليجية وأجنبية، لزيارة مرافقها الجذّابة، وصرف أكثر مدّخراتهم في التمتُّع بوسائل الترفيه فيها، بعيدا عن المنغّصات الاجتماعية، وسوء تقدير الزبائن، وهربا من قلّة الاهتمام بحاجاتهم الأساسية، في كثير من المجتمعات العربية، ومنها - لشديد الأسف - المجتمع السعودي، الذي أرى أن معظم منشآته لا تتميّز بخدْمات "سياحية"، بالمعنى الحقيقي للكلمة، كما أخجل من الحديث عن المستويات الرديئة لدورات المياه، في بعض مرافقه الحيويّة. [email protected] [email protected]