هكذا نحن -مع بالغ الأسى والأسف- لا نصحو إلا بعد فاجعة، ولا نفيق إلا جراء كارثة، وحينها يكون قد أزهقت أنفس وذهبت أرواح، ومع تلك الإفاقة يبدأ العمل العاجل في محاولة سريعة لسد الثغرات ومعالجة الأخطاء، وفيما بين ذلك التغافل وهذا الاستعجال يجد المجتمع نفسه أمام أمرين، إما أن يبقى الأمر على ما هو عليه لأمد طويل فيزداد سوءًا، أو الاستعانة بالحل الآني والذي غالبًا ما يأتي دون دراسة وتخطيط جيدين، ومع مرور الزمن يفاقم الوضع وربما زاده وبالا! حادثة غاز الرياض هي إحدى تلك الفواجع، كان يفترض أن نستفيد منها، وتكون لها انعكاسات إيجابية على المجتمع بعامة، وقد ساءني ما رأيت بالأمس من وقوف ناقلة كبيرة للغاز -والعجيب أنها كانت تقف بجوار أحد المطاعم- في مشهد مؤسف يثبت عدم إفادتنا مما يجري، وأن حرصنا المؤقت ربما عاد بالضرر علينا. هذه الحادثة كان المؤمل منها أن يُعاد النظر في عملية توزيع الغاز بشكل كامل، وتجاوز الطريقة الكلاسيكية المؤسفة المستخدمة حاليا، وقد تجاوزتها دول عدة بعمل تمديدات للغاز منذ أمد بعيد! ولا أحسب أن القائمين على عملية توزيع الغاز يخفاهم إيجابيات مثل هذا الأمر؛ إذ هو يقلص من الإنفاق على المركبات وصيانة الصهاريج ورواتب السائقين (بالمناسبة كان المرجو التركيز على هذا العنصر المهم وإعلان نتيجة ما تم تداوله عن سائق تلك الناقلة التي انفجرت في الرياض ومدى كفاءته وسرعته ونظاميته)، فلماذا لم تتم الإفادة من تجربة تلك الدول؟! وبنظرة سريعة لاسطوانات الغاز في البيوت، فإن الواقع يؤكد أنها أشبه ما تكون بالقنابل الموقوتة؛ إذ نسبة السلامة فيها ضئيلة جدًا، ومع احترامنا للشركة التي قامت مؤخرًا بابتكار وجلب ساعات حديثة وبأسعار معقولة، لكن الأمل في أن تتلاشى بشكل كامل، وأن يحل محلها خزانات الغاز وبشكل إجباري وضمن خطة زمنية محددة. والشيء بالشيء يذكر، فإن الدهشة تتملكني عندما أرى الدفاع المدني يقف موقف المشاهد لما يجري دون تدخل فوري وعملي؛ فالمفترض أن كل بناية جديدة سكنية أو تجارية يجب أن يكون خزان الغاز من أهم أدوات السلامة التي يجب توفرها وإلزام الجميع بها. وختاما: أود التأكيد على أن الاسطوانات الموجودة في كل بيت هي - شئنا أم أبينا- تمثل قنابل موقوتة، ولها دور في كل حريق ينشب إما أساسا أو إسهاما في انتشاره وزيادة تدميره، ولا يفترض أن ننتظر كل هذه المدة، فالتخطيط لتمديدات الغاز قد تأخر كثيرا، وخزانات الغاز تمثل حلًا، لينعم الجميع بالسلامة، وليعيشوا في منأى عن الخوف والقلق، ويبقى دور المواطن في الإسهام في ذلك، وألا يبخل على منزله بأي وسيلة يكون من شأنها زيادة نسبة الأمان، والأخذ باحتياطات ووسائل السلامة، أخذًا بالأسباب بعد الاتكال على رب الأرباب. همسة: ما صدر عن أحد المسؤولين في شركة الغاز من أن تمديد خطوط الغاز سيستغرق أعواماً طويلة؛ يثبت عدم الإلمام بتقنيات العصر. [email protected]