في العالم العربي يكاد التواصل أن يكون مفقودًا مع الآخر، بل هو مفقودٌ فعليًّا، سواءً في قضاياهم العامة، أو الخاصة، وأصبح الحوار الذي من المفترض أنه لا يفسد للود قضية بين المتحاورين قاعدة مفضيةً إلى مساحات سوداء للاختلاف والمخالفة في الرأي، لا مكان فيها للون الأبيض. اعتدنا عند تحليل الأحداث ومعطيات الواقع حولنا -أيًّا كان نوعها، أو مصدرها، أو زمانها ومكانها- أن ينبري بعض المثرثرين فيحتلوا منابر -خذوهم بالصوت لا يغلبوكم- وقد نصّب كل منهم نفسه الحكيم المتحدث باسم البقية، والوصي على مصالحهم وقضاياهم، فوق بلاط النقيق لتوقد ثرثرته المخضرمة، حربًا ضروسًا لا هوادة فيها. المتحاورون في قضايا السياسة والدين والعروبة والنضال عبارة عن خلطة عجيبة متخبطة من الضد والضد، يسيران في اتجاهين متعاكسين!!، وقد اختزل الواحد منهم الوعي والدور في دائرة قاعدة معلوماته الملغمة، فلا يرى ولا يسمع فيها إلاّ نفسه دون غيره، ليتقافز منها هنا وهناك، فيحتدم الموقف بينهم ليصبح أشد تشويشًا، وأشرس فتكًا وضراوةً فلا هم بالمتكيفين مع واقعهم، ولا هم بالمتوافقين مع بعضهم البعض. من طرائف نتوءات حوارات المثرثرين أنك غالبًا تكتشف في نهايتها بأن المتحاورين يهذون ويتقافزون بالكلمات المنزلقة والمتساقطة قدحًا وذمًا كل من دائرته تلك -وما بيجمعوش- جملة مفيدة نفهم منها قضية الحوار!! عندما نقول الحوار المتمدن، فهل هو ذاك الحوار الذي نصل في نهايته إلى حقيقة أننا قد نختلف إلاّ أنا لا نتفق؟!. عندما نقول الحوار المتمدن، فهل يعني هذا أننا وربما نتحاور إلاّ أن حوارنا لا يعدو في حقيقته عن كونه عراكًا واقتتالاً؟!. في عالمنا العربي عندما نتحاور وجهًا لوجه كنا نعتقد أننا قد نخلق -نوعًا ما- جسرًا من التواصل بيننا، لكنا نشعل لهيب التنافر والتمزّق والكره والحقد، ونبتعد عن بعضنا كل البُعد، فالفجوة بيننا تتسع، والهوة تتعمق!!. [email protected] [email protected]