هل انخرط أطفالنا في السياسة دون أن يشعروا..؟! سؤال أقف عنده مطولاً هذه الأيام، بعد أن امتلأت أذان هذه الفئة، وتشبعت أعينها بهذا الحشد المتواصل والمؤثر من الصور والأحداث والأخبار والتقارير والتحليلات على شاشات الفضائيات الإخبارية، إضافة إلى مواقع الإنترنت التي تُعرض على صفحاتها أحداث الثورات، وصور القتل والدمار هنا وهناك. أمام كل تلك المؤثرات التي حاصرت عقولهم البريئة، بالكثير من المفاهيم المتلاطمة عن الحقوق والحريات، وبحكم أن الأطفال هم الأكثر استعدادًا للتلقي، فسلوكهم يكتسب بالمحاكاة والتأثر، وتحت هذا الضغط الهائل من وسائل الإعلام، وفي ظل غياب الرقابة الأسرية وتمركزها حول الشاشة متنقلة من قناة إلى أخرى إمّا تشاهد خبرًا، أو تقرأ خبرًا، وصل الحال إلى التخبّط فترسّخ في تلك العقول الصغيرة أن الحقوق لا تُستجلب إلاّ من خلال الاعتصامات، والإضرابات، والصراخ، والتكسير، لِمَ لا؟ فهم يتعايشون مع الأحداث التي تتردد مشاهدها أمامهم كل يوم، فحفظوا شعاراتها، واستلهموها في لعبهم، إمّا في المنزل، أو المدرسة، أو الشارع، فيقوم بعضهم بدور الرئيس، والآخرون ينددون ضده، أو يؤيدونه، أمام تناسي الأسرة أن أي سلوك متغافل عنه سيتحوّل مستقبلاً إلى سمة، ومع مرور الأيام سيثبت في وعيهم، كما أن تثاقل بعض الأسر عن التعديل أو التوجيه المستمر خاصةً فيما يتعلق بالواجبات والحقوق أدّى إلى اضمحلال كثير من القيم التي لم تعد تُسْتَأْثَر إلاّ بالمقابل. إن تأصيل القيم في وجدان الأطفال منذ نشأتهم، سواء كانت وطنية أو فردية أو اجتماعية.. لا يتأتى إلاّ بالقدوة وحدها، فهي المحرك والمؤثر الذي يشكّل ويوجّه نحو الطريق الصحيح، فهناك بون شاسع بين القدوة التي تزرع ولا تقلع، والقدوة التي تعلم ولا تُضلِّل. وهذا دور كل من الأسرة والمدرسة والمجتمع، فهم في هذا الجانب تحديدًا كلٌّ لا ينفصل، ويتطلّب هذا الأمر منّا أن نحمي تلك العقول من الاختراق والتشويش بالسعي الحثيث على التأكيد والتواصل والاستمرارية، وعدم قصر تلك القيم على ذاكرة تاريخ معين يُحتفى به على وسائل إعلامنا ومهرجانات مدارسنا، حتى ينشأ جيل يمتلك قيمًا محصنة، يستلهم خطاها الآخرون، كي لا نقول فيما بعد: مسؤولية مَن..؟! [email protected]