معلموم أن المجلة العربية التي تصدر بالرياض أول كل شهر هجري ، تحتضن نخبة طيبة من العلماء والشعراء والكتاب من المملكة العربية السعودية ومن الدول الشقيقة، فهذه النخبة تكتب كتابات وافية مستفيضة ، الثقافية و الفكرية و الاجتماعية. وفي العدد 397 قرأت مقالاً جميلاً للأستاذ الدكتور محمد بن سعد بن حسين حول فن الخطابة، وتضمن المقال بعض الأمور الهامة كالموهبة و الثقافة و الدربة، و تجربته الأولى مع الخطابة. يقول الدكتور محمد: أن أول مرة علوت فيها درجات المنبر كان وأنا في الحادية عشرة من العمر وذلك حين أراد أبي -رحمه الله- السفر فأمرني أن أخطب يوم الجمعة في الناس.. وأذكر أني صعدت المنبر شعرت وأنا أصعد و كأن ماءً حميماً صب على جسمي ، فاستعنت بالله فأعانني و ألقيت الخطبة بلا تعلثم و لا تلجلج، ثم كان ذلك الأمر عادياً. أقول : فهذه الدفعة الأولى هي علامة واضحة للموهبة ولولا ذلك لما استطاع الخطيب الصغير الوقوف أمام المصلين في هذا السن؛ لأن الكثيرين لا يستطيعون الحديث أمام الوالدين فكيف الوقوف أمام الملأ مثلاً، ثم إن الثقافة العامة والخاصة لها من الأهمية في الخطابة ،منها : كثرة الإطلاع والقراءة، وبخاصة الكتب الأدبية والإسلامية شعرا ونثرا، وحفظ الآيات القرآنية والشواهد من الحديث الشريف والشعر الأصيل، ولا تنسى الجلوس بين يدي الأساتذة والزملاء الخلص وعدم الرهبة منهم وعدم الاستحياء عند التقاء الكبار، والحذر من الأخطار واللحن. أما الدربة أو التدريب فمهم جدا ولا يستغني عن ذلك الخطيب كمن يقف خطيباً بين أولاده وأهله متدرباً ، أو يسجل خطبه و حديثه و يستمع إليه مرات و مرات.. والأمثلة في ذلك كثيرة، فقد أورد الكاتب بعض القصص في هذا المقام منها: أن رجلاً أراد أن يكون خطيباً فكان يخرج إلى البحر و يقف على شاطئه حيث لا أحد من الناس موجود، فيظل يخاطب البحر و يضرب فيه بعصاه و لم يزل على هذا حتى صار من أخطب الناس. على كل حال فأنا مع الدكتور محمد بن حسين في جميع ما جاء في مقاله حتى عندما قال: (إن قراءة الخطب من الورق لم تظهر في المجتمع العربي إلا في أزمة الضعف والانحدار فهل نرضى لأنفسنا أن نكون مثلهم)؟ ولكن السؤال الذي يطرح نفسه أيهما أفضل وأكثر انضباطاً: الخطيب الذي يخطب من الورق لمدة عشر دقائق أو خمس عشرة دقيقة ، أم الخطيب الذي يخطب ارتجالاً يذهب يمينا وشمالاً، ويخرج من موضوع إلى موضوع يضيع و يضيع المصلين معه؟ أرى شخصياً أن الأفضل هو الأول حتى لو كان موهوباً (والله أعلم) وقفة: من بلاغة الخطيب قصر الخطبة و إطاالة الصلاة. [email protected]