يحمل بين جوانحه حكمة رجل الامن، وتواضع الامير الانسان، وقوة ردع فريدة من نوعها اسمها «الدبلوماسية الناعمة». على المستوى الشخصى، هو امير مفعم بالانسانية وحب الخير لابناء وطنه جميعا خاصة من حاد منهم عن جادة الصواب. وعلى مستوى الاداء العملي، عاشق لوطنه حتى النخاع، مقاتل لاترهبه محاولات الارهابيين الاثمة التى حاولت النيل منه عدة مرات، لكنه نجا منها جميعا بقوة الانسان المؤمن بربه، وبعدالة قضيته ودعم شعبه. انه الامير محمد بن نايف بن عبد العزيز الذى تسلم مهام وزارة الداخلية امس بعد الامير احمد بن عبد العزيز، تعلم محمد بن نايف في مدرسة نايف بن عبد العزيز حكيم الامن على مدار سنوات طويلة فصقل خبراته العملية سريعا، ولم تكد تمر سوى سنوات قليلة حتى واجه واحدا من اخطر الملفات التى يمكن ان تواجه اى وطن، وهو ملف الارهاب الذى بدا ساخنا ملتهبا بعدة عمليات في مدينة الرياض في مايو 2003، وقد سجل فيه نجاحات باهرة ادت الى احباط اكثر من 200 عملية ارهابية كانت كفيلة لو تمت لا قدر الله ان تغير وجه الاحداث في المنطقة بأسرها. تولى محمد بن نايف ملفين ساخنين على مدى سنوات طويلة، حققا فيهما نجاحا باهرا الاول هو ملف الارهاب والثاني المخدرات، فعندما تمكن من التصدي للارهاب بتجفيف خلاياه المختلفة، حول الارهابيون نشاطهم الى تجارة المخدرات، لكن محاولاتهم لتدمير شباب الوطن باءت بالفشل على يد الامير الذى تصدى لهم من البحر والجو والبر، وتبدى ذلك في حجم الكميات المضبوطة من المخدرات في السنوات الاخيرة حتى غدت المملكة في صدارة دول العالم في تصديها للارهاب والمخدرات. الضربات الاستباقية والمناصحة ** والحقيقة ان اداء الامير محمد بن نايف في ملف الارهاب لم يكن وليد اللحظة، بل نتاج خبرات عملية طويلة ودراسة عميقة للمشكلة وتداعياتها من خلال دراسته للعلوم السياسية والعديد من الدراسات العملية المتقدمة في مكافحة الارهاب. ولم يكن صعبا على هكذا امير عرف بالهدوء والروية في معالجة القضايا الساخنة ان يتألق في مكافحة الارهاب ويأتي بما لم يأتِ به أحد من قبله في هذا الملف الذى قام على جناحين اساسين هما الضربات الاستباقية للاوكار الارهابية والثاني برنامج المناصحة الذى قال عنه وزير الدفاع الامريكي السابق روبرت جيتس «اعتقد ان العمل الذى يقومون به في مستوى افضل من اى برنامج»، كما اتفقت الدوائر الغربية المختلفة على وصفه بالجنرال الذى قهر الارهاب، وتعلم منه الجميع فنون مكافحة الارهاب بوسائل عصرية حديثة. ** آمن محمد بن نايف من واقع المعالجات عبر العالم ان الارهاب الذى لادين ولاوطن له، لايمكن التصدي له بالسلاح فقط، بل وفق رؤية تكاملية تأخذ بعين الاعتبار الجانب النفسي والاجتماعي والاقتصادي في المعالجة. انسان بخيرية وانسانية محمد بن نايف، كان من الصعب عليه ان يتجه الى اساليب التعذيب والقمع التى تلجأ لها بعض الانظمة تجاه أُسر الارهابين من اجل اجبارهم على تسليم انفسهم للجهات الامنية، وذلك لايمانه العميق بانه «لاتزر وازرة وزر أخرى». وعلى العكس من ذلك، كان رجلا من طراز فريد، احتضن اسر هؤلاء الارهابين المغرر بهم وقدم لهم الدعم اللازم حتى يتمتعوا بحياة كريمة، ولم يجبر احدا منهم على فعل شيء تأباه انفسهم، فنال منهم الاحترام والتقدير والدعم والدعاء، وكان من نتاج هذه المعاملة الانسانية الكريمة ان عاد الكثير من ابنائهم الى جادة الصواب مفضلين الانضمام الى برنامج المناصحة الذى اطلقه الامير محمد بن نايف حتى يعودوا اعضاء صالحين في مجتمعهم. ** واذا كان القادة الامنيون في كثير من الدول، تركوا انطباعات لدى الكثيرين عن الخشونة والأنفة في التعامل الى حد العنف في بعض الاحيان ، فانت امام محمد بن نايف لاتملك الا الاعجاب بهذه الشخصية التى مابرحت غارقة في التسامح وحب الخير والتواضع. انت امام امير ورجل اجتماعي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، امام رجل يصر رغم موقعه الحساس على مفاجأة مواطن بحضور حفل زفاف لديه لانه كان قد قطع وعدا بذلك على نفسه بعدما أعاد البسمة اليه على اثر احتراق افراد اسرته في حادث اليم.. ولم يقف الامر عند ذلك بل حرص الامير على الحضور بنفسه لكثير من حفلات الزفاف لبعض ابناء الوطن العائدين من جوانتانامو. لقد كان انسانا بمعنى الكلمة وهو يرد على الذين يطالبونه بالتخفيف من هذه الواجبات الاجتماعية بقوله: «هؤلاء جزء من لحمة مجتمعي وانا المسؤول عن اعادة تأهيلهم الى الحياة الاجتماعية الطبيعية». شخصية الامير ** وقد حق للبعض ان يتساءل بعد محاولة الاغتيال الاثمة التى تعرض لها في 2009 ، هل ستتغير شخصية الامير، خاصة وانها قد تمت اثناء سعيه لاسباب انسانية الى عودة زوجة المطلوب سعيد الشهري مع طفليها من زوجين سابقين بعد هروبها الى اليمن بطريقة شرعية ومن دون علم اولياء امور الاطفال. لكن هيهات انها شخصية معجونة بالثبات الانفعالي والتوازن والحكمة والاتكال على الله وحب الوطن، فهو يسير على نهج والد الجميع خادم الحرمين الشريفين في التسامح والعفو والانسانية والسمو فوق هذه الصغائر التى لم تزده سوى محبة وخشية على ابناء وطنه من الضياع في غياهب كهوف الارهاب. لم يتغير محمد بن نايف بل ازداد حنوا على ابناء شعبه، ولم يهدأ له بال حتى عاد المعتقلون من جوانتامو، كما لم يتردد للحظة واحدة في استقبال اى مطلوب امنى يريد تسليم نفسه للجهات الامنية.. تشجيعا للمطلوبين على ذلك وطمأنتهم بانهم سيحظون برعاية انسانية كريمة ومحاكمة عادلة.. ** ولم يكن مدهشا ان يتساءل البعض، من اي كوكب انت ايها الامير الانسان، عندما توجه بصرف اكثر من 400 مليون ريال لابناء المملكة العائدين الى احتضان تراب الوطن بعد سنوات من الضلال في خضم اتون الارهاب وكذلك اسرهم حتى يتمكنوا من العيش بكرامة وانسانية. * ولكل هذه الاسباب مجتمعة، لم يكن مستغربا ان يكرمه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بمنحه وشاح الملك عبد العزيز في 2009 بعد المحاولة الارهابية الاثمة التى تعرض لها، وذلك نظير ما قدمه لوطنه على مدى سنوات. ولاشك انه اذا كان الامير محمد بن نايف العاشق للعمل خلف الكواليس لساعات طويلة يوميا، آثر طيلة هذه السنوات التكتم وقلة الحديث، وهذا هو ديدن القادة الناجحين دائما، فأن الكثيرين من ابناء الوطن يتطلعون الى الاستماع بشغف شديد الى خطط سموه المختلفة بعد ان رؤها مترجمة على ارض الواقع لسنوات طويلة.. ** واذا كانت المهمة ليست سهلة على الاطلاق، فان المخزون الكبير من التجارب العملية والانسانية سيسعف الامير محمد بن نايف في التعاطى مع الملفات الامنية والخدماتية المختلفة بعد ان اصبحت وزارة الداخلية نموذجا يحتذى للجميع في تقديم الخدمات للمواطن على كافة المستويات. وبقى على المواطن الدعاء للامير بالتوفيق والسداد في مهمته الصعبة، وان يكون كل منا بمثابة رجل امن اول لهذا الوطن بالابلاغ عن اى ظواهر سلبية قد يراها ، حفظ الله الوطن وقيادته ومواطنيه من كل سوء.