يبدو أن عدةَ الشغلِ في الفضائيات المصريات، التي حملت على عاتقها إجهاض الثورة، أصبحت الآن خبير غفلة، وكداب زفة، وناشطًا سياسيًّا، أو سياحيًّا، أو سياميًّا، أو سيناويًّا -حسب مقتضيات الهجوم على الرئيس مرسي-! وفيما كان الناس في بلادي يتابعون بأمل لقاءات الرئيس مع القوى السياسية الفاعلة، كانت القنوات، والفتوات يردحون للثورة، التي ضيّعت سيناء، وللرئيس الذي باعها، أو أجّرها لحماس! كنتُ -وملايين مثلي- نتابعُ قسمات وجه حمدين، وموسى، وأبوالفتوح، وهم يخرجون من مكتب الرئيس في وقت هو الأخطر في تاريخ مصر الثورة، فيما كانت قنوات الثورة المضادة التي يباهي فتواتها "جمع مذكر ومؤنث أيضًا" بكراهيتهم ل25، ولجميع الميادين تستضيف المنتعشين والمنتعشات بحوادث "لعبة سيناء"! لم يخرج حمدين غاضبًا، أو متشككًا، ولم يخرج أبوالفتوح يائسًا، أو ناقمًا، ولم يخرج موسى محبطًا، أو حاسدًا.. ويقينًا سيخرج "الثائر الوديع" -إن جاز الوصف- محمد البرداعي كاشفًا وساطعًا! وعن المشهد الثاني لا تسل! فالخبراء الذين ينتعشون وينتشرون في كل مصيبة، نسوا أنهم كانوا شركاء في عزلة سيناء، وأمن شرم الشيخ، والناشطون المستقدمون خصيصًا لتجريح الرئيس صناعة فاخرة لأمن الدولة القديمة، وكدابو الزفة يقدّمون دروسًا في الوفاء والإخلاص والحماس، ليس لمصر، ولا لسيناء، وإنما لزعيم شرم الشيخ القابع في طرة! سمعتُ خبيرًا إستراتيجيًّا يصرخ محتجًا على مضي سنة ونصف دون أن نصنع شيئًا لسيناء! كان الخبير الكبير أحد أركان إستراتيجية مبارك في تنمية وتطوير فنادق شرم الشيخ! وشاهدتُ إعلاميًّا -أو هكذا يقول- يتحدث عن الإرادة السياسية التي غابت عن سيناء منذ تسلم مرسي للسلطة! أمّا الناشط السيناوي فكان يؤكد طوال الوقت أنه من سيناء، والدليل كلمة "تكفي - تكفي" قبل أن يجزم بأنه رأى الإخوان يؤجّرون سيناء للأسر الفلسطينية! شيئًا فشيئًا، ومع انتصاف ليل القاهرة توسعت "النصبة"، وأصبح في كل قناة خبير غفلة، وكداب زفة، وناشط من سيناء.. و"معاهم" منى من العريش، وسناء من الطور، وعصام من طابا.. و"خليك معانا لسه هنشتم الرئيس"! قال خبير الغفلة محتدًا: "لقد قلت لكم في نفس هذه القناة أخرجوا الثوار من التحرير، وجميع الميادين؛ لأن سيناء تضيع.. تضيع"! وقال كداب الزفة: إن هذا الرئيس إذا كان يتحلّى بأي قدر من الذكاء -والله حصل- لابد أن ينظر إلى سيناء نظرة وطنية! وقال الناشط السيناوي: "إن مرسي يريد أن يقيم دولة إخوانية في سيناء، ونوبية في الجنوب، وأقول له كفي.. كفي"! غادرتُ مصرَ فجر أمس، وفي ذاكرتي وجوه الخبراء الذين ينتعشون مع كل مصيبة، والمذيعين والمذيعات الذين يهشّون لكل كارثة.. لكنهم، ولكنها محنة وتزول.. و"ياما دقت على الراس طبول"! بقي أن ينحاز الرئيس للحق، وبالحق، وبحيث يصبح الدستور الجديد منهجًا للوحدة، والألفة، والانصهار، وليس للفرقة، والبغض، والانشطار! وبحيث يعرف الشعب حقيقة، أو فصيلة الكلاب التي عضّته في بلطيم؛ ليتأكد بالفعل من انتهاء عصر الدولة البوليسية! [email protected]