في ظل نزوع الشباب إلى الاستقلال والتصرف بحرية ودون قيود تبرز على السطح ظواهر سلبية ناتجة عن تلك الحرية التي هي- في الأصل- حق مكفول شرعاً وقانوناً؛ فبعض الشباب يسيء استخدام هذا الحق ظناً منه أن ممارسته لحقه في الحرية يخول له التصرف كيفما يشاء دون مراعاة لأعراف المجتمع وآدابه أو قوانينه وأنظمته، بل ودون مراعاة حق الآخرين في عدم الإضرار بهم أو المساس بحقوقهم المكفولة لهم أيضاً. فأين تقف الحرية الشخصية للشباب وأين تتمدد؟ وكيف نقي المجتمع وأفراده من أضرار الحرية الفردية غير المقيدة؟ بداية انتقد عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور محمد المفدا بعض السلوكيات الشبابية التي تدل على عدم مبالاتهم بأوامر الوالدين وعدم اهتمامهم بأوقاتهم على زعم أنها من الحريات الشخصية وقال: مثل التصرفات لا تتفق مع الحرية المنضبطة المتزنة اللائقة بالإنسان الذي كرمه الله وفضله على سائر المخلوقات، لأن ممارسات صاحبها لا تدل على نضج وعقل وفهم ومعرفة لمواطن مصلحته. وأشار إلى أن هناك من بين الأشخاص من يدرك مواطن مصلحته لكن يغلبه اتباع الهوى وحب الراحة وضعف الشخصية وسقوط الهمة فيترك هذه المصالح ويتجاوزها إلى أضدادها، ويبتعد عن أسباب الرفعة والحياة الكريمة. وعن حدود الحرية الشخصية التي يجب على الشباب معرفتها أوضح أنها التي تكون منضبطة بأحكام الشرع الحنيف، وقال:على الإنسان أن يعرف بأنه حر ما لم يلحق الضرر بغيره، فما دام لم يصل إلى حد الإضرار بأحد فهو لا يزال يسرح داخل حدود حريته المشروعة. وأضاف أن الإضرار قد يلحق بفرد أو بأفراد، وقد يلحق بالمجتمع بأسره، فعاقر الناقة واحد والعذاب أخذ الجميع، قال تعالى: (إذ انبعث أشقاها. فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها. فكذبوه فعقروها* فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها* ولا يخاف عقباها) وقال سبحانه: (فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر) وخارق السفينة - كما في المثال المضروب في الحديث الشريف - هو شخص واحد أو أفراد محدودون بينما الغرق يجتاح السفينة كلها ومن فيها، فالأخذ على يد المقصر والسفيه مطلوب من أجل مصلحته هو ومصلحة المجتمع أيضًا، وينبغي أن يؤخذ المقصر أولًا بالنصح والإرشاد والتعليم والسعي لرفع همته والسمو بأهدافه. وحول طرق العلاج قال: إذا أردنا التغلب على الصفات السلبية فيجب مراعاة عدة نقاط لتجنب السلوك الخاطئ وهي أولا: التربية على تقوى الله تعالى وتعظيم أمره ونهيه، يليها إشعار المتربي أن الله خلق الإنسان حرًا في تصرفاته، وأن تبعات هذه التصرفات ستترتب عليها وسيحاسب عليها هو وحده إما في الدنيا وإما في الأخرى وإما فيهما معًا، فمبدأ المسؤولية الفردية ثابت في الشرع، والمسؤولية تكون على قدر الحرية، وحض على التربية على المسؤولية واستشعار المستقبل واستثمار الوقت والإمكانات التي وهبنا الله تعالى إياها، وسيسألنا عنها يوم القيامة كما في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه)، وشدد على أهمية غرس الاحترام المتبادل وبذل الحقوق بين أفراد الأسرة الواحدة وبينهم وبين أفراد المجتمع؛ وأوضح أن تحقيق ذلك يكون بعدة أمور من أهمها تقدير الوالدين والقيام بحقوقهما وتقدير العالِم والكبير والْمُسن. وأكد المفدا على أن مبدأ الأخوّة ومبدأ النصيحة يأبيان ترك المنحرف والمقصر يضيّع دنياه وآخرته، فما تحبه لنفسك يجب أن تحبه لأخيك كما في الحديث الشريف المتفق عليه: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). من جانبه قال عضو المركز الوطني لأبحاث الشباب الدكتور علي ظافر: إن الشباب طاقة المجتمع الحقيقية، وبناة مستقبل الوطن، وعماد نهضته وتطوره لما تمتلكه هذه الفئة من طاقات هائلة وما لديها من استعداد للتضحية من أجل التغيير والتقدم والبناء. وتعتبر الحريه مطلبا مكفولا لكل شاب بل وكل شخص بشرط التقيد بالأنظمة والتعليمات والقيم الاجتماعية وليس من المفترض أن هذه الحرية هي تلك الرغبة التي تريد التحرر من الضوابط الأسرية واحترام حقوق الآخرين وأهمهم الوالدين قال الله تعالى [ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا] بل هذه في مسماها الحقيقي (الانفلات) بالمعنى الصحيح، وهي ليست الحرية المنضبطة التي تؤدي فوائد ايجابية للشخص ومن حوله وهذه تعد تفلتا من الضوابط والقيود الاجتماعية والشباب يريد أن يفلت من المواعيد المحددة والتي من أهمها الصلوات التي أمرنا بها الله قال تعالى [إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتا]. وأضاف: أنادي هنا بالحرية المرتبطة بالمسؤولية وهي التي تعتبر منضبطة بالقوانين المرعية بالمجتمع وأؤكد على دور الأسرة في التنشئة من الصغر وكذلك المدرسة والإعلام والمساجد ودور العبادة في زيادة التوعية بأهمية هذا الجانب المهم في حياتنا، وأكد على أن ديننا الإسلامي الحنيف يدعم الحريات ويشجعها ولكن بشرط ألا تعتدي على حدود الآخرين وأن نرتقي بأسلوبنا والنفس تجمع للحريات غير المنضبطة، وقال: يجب على الشباب أن يقيد هذه الحرية التي هي مطلب لكل البشر الحرية من وجهة نظري الخاصة هي التي توضحها المقولة المعروفة «إن لك الحق في أن تلوح بيدك كيفما تشاء على ألا تصل يدك لمن حولك أو يزعجهم الهواء الصادر عن حركتها»، وأشار إلى وجود الكثير من الظواهر السلبية التي تصدر عن بعض الشباب في الشارع دون احترام لآدابه ولا يمكن تبريرها بالحرية الشخصية وأضاف أن تطور أي ظاهرة سلبية يدلل بشكل أو بآخر على وجود نقص أو خلل في الأسلوب المتبع للقضاء عليها، ووجود المناخ المساعد على بقائها وتطورها. من جهته أوضح أستاذ العلوم التربوية بكلية التربية بجامعة الطائف الدكتور خالد بن محمد العصيمي أن الشباب من حقهم أن يعطوا المسؤولية ويأخذوا راحتهم فيها ولكن الأهم من هذا هي أن يقوم الوالدان بالنصح والإرشاد والتوجيه بين الحينة والأخرى عندما يروا خطأ من سلوك الأبناء، فعلى الوالدين النصح بالتي هي أحسن وألا يكون نصحهما بالتوبيخ والشتم لأن هذا سيجعل الابن يمارس نوعا من العناد، ولكن إذا أعطي الابن الحرية وصاحبها النصح والإرشاد فهنا سيكون الأمر أفضل وبكثير.