هنالك أراضٍ سورية (الجولان) ذات خصائص إستراتيجية هامّة تحتلها إسرائيل منذ أكثر من 45 عامًا، لم يبدِ النظام السوري خلالها أي أهمية لاحتلالها حتى بعد أن ضمتها إسرائيل لها عام 1981، بما أعطى الإيحاء العام بأن النظام الأسدي الذي يحكم سوريا منذ العام 1970 أهدى إسرائيل تلك الأراضي، وأنه لا نية البتة لتحريرها، أو لاسترجاعها حتى لو كان ذلك بالطرق السلمية والسياسية. قصة احتلال الجولان تنطوي على مفارقة تستحق الوقوف قليلاً. فخلال حرب 67 لم يشتمل المخطط الإسرائيلي على احتلال الجولان، لكن أرئيل شارون الذي كان مسؤولاً عن الجبهة السورية في تلك الحرب قرر -اجتهادًا وبمبادرة شخصية منه- احتلال تلك الهضبة الإستراتيجية التي تطل على دمشق، وتشتهر بوفرة مياهها، وكان له ما أراد بالحد الأدنى من الجهد في ظل انهيار الجيوش العربية الثلاثة (المصرية، والسورية، والأردنية) في تلك الحرب. ما أثار الانتباه خلال المفاوضات السرية التي جرت أكثر من مرة بين الإسرائيليين والسوريين، وتركزت حول الانسحاب الإسرائيلي من الجولان أن دمشق لم تبدِ خلالها رغبة حقيقية في استردادها، حتى خلال مفاوضات (1993-1995) التي تمت تحت رعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وتمخضت عمّا عُرف -حينذاك- ب"وديعة رابين" التي تضمنت تعهدًا إسرائيليًّا بالانسحاب إلى خط الرابع من حزيران 67، والتخلّي عن هضبة الجولان، وإعادتها إلى سوريا. ما كشفت عنه الأخبار مؤخرًا استنادًا إلى مصادر أمريكية حول مفاوضات سرية بين الجانبين بدأت في العام 2010، وتوقفت العام الماضي على إثر اندلاع الانتفاضة الشعبية في سوريا، ما كشفت عنه تلك الأخبار ينطوي على أهمية كبيرة، نظرًا لما أكدته تلك المصادر بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي أدّى مرونة غير مسبوقة في تلك المفاوضات، فاقت المرونة التي أبداها رابين، وأن الانسحاب الذي جرى الحديث عنه كان يعني الانسحاب الكامل من كافة تلك الأراضي في مقابل التطبيع الكامل، فيما تضمنت الصفقة شرطًا إسرائيليًّا ينص على تقليل مستوى العلاقات السورية مع إيران. لكن دمشق رفضت هذا الشرط، وهو ما يثير السؤال لبشار الأسد: هل العلاقة مع إيران أهم من تراب سوريا الوطني؟