السَّائل (طلال أحمد): ما مقدار حاجة الفقيه للّغة العربية؟ الفتوى 65: سؤالٌ عريضٌ، ويكفي في هذا المقام الذي هو مقام الإيجاز أن أذكرَ لك لمحةً دالَّةً.. اعلم أن العلماءَ متفقون على أنّ الإلمامَ باللّغة العربية شرطٌ من شروط المجتهد، وأنّ التوسعَ فيها غيرُ مذمومٍ، ولا حدَّ له، والمقصود بالتّوسّع فيها فيما كان عونًا للفقيه والمفسّر، كمعرفة المعاني، ودلالات الألفاظ، والفروق الدقيقة بين الألفاظ، ودراسة كلام البلغاء من الشّعراء وغيرهم، وليس المراد ضياع العمر في تحقيق الخلافات النَّحوية، وتنقيح العلل الصَّرفية، وما خرج به بعض الشّارحين في البلاغة إلى المنطق والفلسفة، كلا، ولكن المراد ما ذَكرت.. والإحاطة باللّغة متعذرة، ومن عوّد نفسه على ضبط وفهم ما يقرأ من نصوص الوحيين، مع علمه بقوانين النحو التي يعرف بها الإعراب، حصل له نفعٌ كبيرٌ، واللُّغةُ لا تنطبعُ جمالاً ورونقًا إلاّ على القلوب الرّقيقة الطّباع، والآذان المرهفة السَّماع، ومن ثم كان الناسُ مختلفين في ذلك، وإذا أردت معرفة آثار اختلاف الفقهاء في ذلك، فانظر إلى أثره في فقه الشّافعيّ، وابن حزم، والشّاطبي، وابن تيمية، وابن القيم، وفي القرآن أحكام كثيرة مبنية على تحقيق المعنى اللّغوي تصحيحًا أو ترجيحًا، ولو ذكرت لك ما في سورة البقرة من ذلك لكان منه شيء كثير، كتحقيق معنى القروءِ للمطلقات، ومعنى النكاح في قوله تعالى: (حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) [البقرة:230]، وكذلك المراد ب(المحيض)، ومعنى الإطاقة في الصيام، والتقدير في قوله سبحانه: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 184]، وسرّ التكرار في شهادة النساء في قوله تعالى: (أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) [البقرة:282]، ولم يقل : فتذكرها الأخرى، وأثر اختلاف القراءة في آية الوصية للأزواج (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم) [البقرة:240] برفع (وصيّة) ونصبها، وآية التعجُّل والتأخر في الأيام المعدودات (فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى). [البقرة:203]. [email protected]