ليس منا من لا يعرف قصة "الراعي والذئب" الشهيرة فقد سمعتها منذ السنوات الأولى من الدراسة ولم ينقطع ذكرها بشكل أو بآخر في مناسبات مختلفة. فهي تؤكد على كيف أن حبل الكذب قصير، وأن الصدق منجاة وبأنه أقصر الطرق للنجاة. وهناك مثل انجليزي شهير يقول "تستطيع أن تكذب على الناس مرة، لكنك لا تستطيع أن تكذب على الناس كل مرة". ومثل شعبي يقول: "مو كل مرة تسلم الجرة". القصة باختصار أن راعي أغنام في إحدى القرى الصغيرة كان كلما أحس بالضجر قام بالصياح محذرا: الذئب .. الذئب، وكان كل أهل القرية يخرجون بالعُصي والسلاح لمطاردة وقتل هذا الذئب الذي يريد أن يفترس أغنامهم. لكن في كل مرة يخرج فيها الأهالي لتلبية استغاثة الراعي لا يجدون ذئباً ولا يحزنون. وقد كرر الراعي هذا النداء الكاذب أكثر من مرة حتى عرفت القرية كلها بأن الراعي كذاب اشر. وفي يوم من الأيام خرج الراعي كالعادة ليرعى الأغنام. وفجأة التفت الذئاب حوله وأحاطت به .فبدأ بالصياح الذئاب الذئاب .... لكن لم ينجد الراعي أحد هذه المرة ... فأكلته الذئاب!! تذكرت هذه القصة بعد قراءتي لتصريح وكيل إمارة منطقة الباحة الدكتور حامد بن مالح الشمري الذي أوضح فيه تداعيات إزالة التعديات في معشوقة ، واعتبر أن ما ذُكر في عدة صحف ومنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي بشأنها يندرج ضمن "الإثارة" التي فضلتها "قلة" بهدف "التشويش على المتلقي وقلب وتلوين الحقائق"، مؤكداً أن معظم من تم الإزالة عليهم امتثلوا وعددهم قرابة الخمسين , فيما كشف الشمري أن أحد الذين يدّعون أنهم لا يملكون شيئا غير الموقع المُزال، يملك محطة وقود وعقارات ومواقع استثمارية مؤجرة وآخر أقنعه آخرون بالتصوير وتمزيق ثوبه! وإذا تأكد بالفعل ما قال به وكيل أمارة منطقة الباحة، وثبت أن المواقع المُزالة تعود ملكيتها للدولة، "ولا يملك أصحابها إلا أوراقا صورية – غير رسمية – يتداولونها فيما بينهم"، فإن أمثال هذا المُدعي وغيره يسيئون لغيرهم من أصحاب الحقوق ممن يضارون من بعض اعتداءات فعلية تحدث نتيجة أخطاء، قرأنا عن حدوثها في أكثر من منطقة قامت بها بعض أمانات المدن، واتضح لاحقاً وقوع ظلم على أصحابها. فتضيع بذلك حقوق ثابتة لأناس مظلومين أمام تدليس أناس آخرين يدعون بالباطل .. فيفسدون قضية من يطالب بالحق. إن أجهزة الصحافة والإعلام واجبها أن تكون العين التي ترى، والأذن التي تسمع، لتنقل للجهات المعنية ما قد يحدث من تجاوزات على حقوق المواطنين هنا وهناك. لكن مثل هذه الحوادث المُفتعلة تُضعف آلية عمل الإعلام، وتهز مصداقيته .. ويمكن أن يُصبح مع الوقت كمصداقية الراعي الذي صاح الذئب كاذباً .. فأكلته الذئاب، بعد أن لم يجد من يُصدقه!! o نافذة صغيرة: [نؤكد أنه لا يمكن- بحال من الأحوال- الإزالة على شخص يمتلك موقعا بمستندات ووثائق رسمية، بل إن الإمارة تحرص على إعطاء فرصة زمنية طويلة للمواطن لإثبات ما يدعي ملكيته، حتى وإن كان إحداثاً واضحاً. ] د.حامد بن مالح الشمري [email protected]