سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
يسألونك عن الديمقراطية والموسيقى والتبرك! إن (الدندنة) على وتر كثرة الفضائيات والبرامج التي شتتت الناس، والأبحاث والدراسات، وعالم المطبوعات المفتوحة، لم يعد أمرًا مقنعًا ومجديًا في الحوار
نعم، هو عصر جديد، وروافد نشر العلوم والآراء فيه لها أول وليس لها آخر كما يقال. أتذكر قبل عشر سنوات سألني مصلٍّ، وهو مثقف جيد، ومسؤول في شركة مرموقة، سألني بتعجب شديد عن كشف وجه المرأة إذا سافرت إلى الخارج، ومدى جواز ذلك. وبدأته بسؤال مقابل بحكم معرفتي بالرجل: ما الذي جعلك تفكر بهذا السؤال، وبهذه الصيغة التعجبية؟! فقال: تابعت برنامجًا حواريًّا في قناة فضائية عرضت لهذا الموضوع، بأدلة وأقوال مختلفة، ومن علماء متخصصين، فشغلني الأمر، وحرّك عندي هذه الأسئلة!. إن هذا الرجل المثقف رغم قراءاته المتنوعة، إلاّ أنه لم يكن يشغل عقله ببعض التفصيلات الفقهية، ولا حتى المسائل العامة لعموم المسلمين، طالما أنه يأخذ بالرأي الفقهي السائد، وليس ثمة ما يدعو لاستفزاز العقل للاطِّلاع على غيرها. بيد أنه فوجئ بآراء وأقوال وخلافات في المسألة التي سمعها وتابعها، وكان هذا الأمر في بداية دخول الفضائيات المحدودة، وقبل عصر (الإنترنت)، والشيخ (جوجل)!. إن (الدندنة) على وتر كثرة الفضائيات والبرامج التي شتتت الناس، وعالم المطبوعات المفتوحة، والأبحاث والدراسات المنتشرة في (الإنترنت)، كل ذلك لم يعد أمرًا مقنعًا ومجديًا في الحوار. وخاصة هذه الفترة من التاريخ الإنساني التي وفرت للإنسان المطالعة لكل جديد في أقاصي الدنيا، وأرقى المعاهد والجامعات، بل حتى الندوات والبرامج، وبضغطة زر، في كف اليد!. ومن هذه الأحوال المستجدة لاحظ الجيل الجديد الذي يمثل في الوطن العربي قرابة (60%) أن ثمة أسئلة مهمّة يفرضها الواقع، وتتطلبها المرحلة؛ حتى لا يكون (درويشًا) في الثقافة والفكر!. إن هذا الكلام لم يعد شاغلاً لجيل الصحوة والدعوة كما يُقال، بل هو كذلك يتعلّق بالجيل الذي تصله الأفكار، وتغريه البرامج الجادة، والحوارات الساخنة، والمؤتمرات المفتوحة، والندوات العامة. ولا تعجب أن تكون في ندوة شبابية عامة ومفتوحة لتُسأل عن الديمقراطية، والمجتمع المدني، والموسيقى، والتبرّك، والتورّق، وبعض الجدليات عن المرأة، وقصة الخلق. لا شكَّ أنه في ظل هذه التساؤلات هناك مَن هو مندفع ومتحمس ضد السائد، والفتوى التقليدية، ووجد الفرصة سانحة لبث الجديد -كما يرى- بغض النظر عن المناقشة المنهجية السديدة، مهما كانت النتيجة. وفي المقابل هناك من هو متشكك في هذه الأطروحات، ومن ثم يحيلها إلى عالم المؤامرات، وفتنة الشباب، وصدهم عن الصراط المستقيم!. لكن الجميع بعدُ لم يؤمنوا أن دوام الحال من المحال، وأن الركود والجمود عن الاجتهاد سنَّة كسالى المعرفة، ومحدودي الحُجة. وما لم ندخل واقعنا متحصنين بالعلوم الجادة المحررة، ونتحمل المسؤولية تجاه الأجيال التي باتت منابع توجيهها منوعة، ونبني المعارف بمنهجيات ووسائل نافعة ومؤثرة، سنبقى في حيرة العوام، ونردد: (الله لا يغير علينا)!! [email protected]