في حوار مفتوح خصّ به «الرسالة» وزير الحج والأوقاف والإرشاد الدكتور محمد يوسف نيازي، كشف فيه الكثير من القضايا الأفغانية الشائكة، وهموم الشعب الأفغاني، وأبان عن الأخطاء التي وقعت فيها طالبان، مبينًا أن أفغانستان قضية مسيسة، متهمًا دول الجوار بالمتاجرة بثروات البلاد، وأن أفغانستان أصبحت لعبة شطرنج تدار بأيدٍ خفيةً، مشيرًا إلى أن الشعب السعودي محسود، داعيًا ومحذرًا الأمة من أرباب التّحرير والتغريب ودعاة الديمقراطية.. فإلى مضامين الحوار... كيف تنظرون إلى أوضاع أفغانستان في ظل التشدد والتكفير وسفك الدماء التي تزداد وتيرتها يومًا بعد يوم؟ نحن نتألم أشد التألم لما يحدث في البلاد، وديننا حثنا على السلم ونهانا عن القتل والحرب مع غير المسلمين، ما لم يكن هناك سبب يدعو لذلك، فكيف بين المسلمين أنفسهم، فالإسلام ينهانا عن ذلك بأي حجة كانت. إن ما يحدث عندنا من قتل أبرياء لا ذنب لهم يخرجون لأماكن عملهم أو للتبضع، وهم بعيدون عن أحوال النظام أو الحرب، فإذا بهم يقتلون دون سبب، هذا أمر لا يرضاه ديننا فكيف نرضاه نحن لأنفسنا، لقد وقف الرسول صلى الله عليه وسلم على امرأة مقتولة فقال: "ما كانت هذه لتقاتل". علماء مغيبون إلى أين تسير أحوال البلاد في ظل تواجد بوتقة التصارع على الإمساك بزمام إدارة الدولة بين الحكومة وحركة طالبان والقاعدة؟ قانون الشرع واضح جدًا، فعندما نصل إلى نقطة الاختلاف نرجع إلى ديننا ونحتكم إليه، وإذا لم نعرف الحكم علينا التوجه لعلمائنا في كافة بلاد المسلمين. فمن هو السبب لعدم الاحتكام لكتاب الله تعالى وسنة رسوله، هل هي الحكومة أم طالبان أم القاعدة أم غيرهم؟ هناك أخطاء تحدث في العالم ككل، وهذه الأخطاء التي تحدث من بعض القوى أحيانًا تولد العداء والبغضاء وغريزة الانتقام وتجعل الشخص المظلوم ينتقم دون التفريق بين الظالم وغيره. هنا من يجعل النظرية الأمريكية وسياستها (من لم يكن معي فهو ضدي) شعارًا يرفعه ضد الآخرين. أخطاء الفريقين ذكرتم في ثنايا حديثكم أن هناك أخطاء من قبل الحكومة ومن قبل طالبان ومن قبل القاعدة. فإلى متى تستمر هذه الأخطاء؟ نعم الناس ليسوا كلهم على قلب رجل واحد، قد يخطئ مسؤول في محافظة ما، إما بالتشدد ضد الآخرين أو بالتساهل في أحكام الشرع وآدابها أو النزاهة أو بالفساد، فيتم من قبل أناس معالجة تلك الأخطاء بمشكلة أكبر منها كالتصرف بالقتل. ولا شك أن الطريق الأسلم هو الجلوس للتحاور والمفاوضات بين المسلمين، خاصة وأن الأجواء الآن مهيأة ومساعدة في ظل خروج القوات الخارجية من أفغانستان، بفضل من الله، فعلينا أن نجلس جميعًا على طاولة واحدة ونتحاور ونفكر في مستقبل الدولة، ولا شك أن في داخل الحكومة الأفغانية من المجاهدين، وفي الخارج من المخالفين أيضا مجاهدون يريدون تحكيم الشريعة، وإذا كان هناك بعض الغلاة في الطرفين، فعلى عقلائهما أن يتفقوا فيما بينهم وألا يتركوا الفرصة لأعدائهم من الغزاة الذين يريدون استمرار الحرب في أفغانستان. مصالح وعوامل لكن لماذا لم يتم الحوار بين هذه الأطراف المتنازعة (الحكومة - طالبان - القاعدة) على الرغم من مرور سنوات عديدة؟ هذا له عوامل كثيرة، عوامل داخلية وخارجية، فهناك أطراف من مصلحتها استمرار الحرب في أفغانستان وتبدد ثرواته وبقاؤه فقيرًا لمدة زمنية طويلة جدًا، على الرغم من أن أفغانستان فيها من الموارد العظيمة ما لا توجد في العالم أجمع كالمعادن والمياه التي تذهب إلى البلاد المجاورة، فأصبحنا بلدًا مستهلكًا؛ لأن من مصلحة تلك الدول وخصوصًا المجاورة أن نبقى ضعفاء متصارعين وأن نبقى كذلك سوقًا استهلاكيا، ليملوا علينا ما يريدونه. أخي أن شعبنا كله مسلم، حتى الشيوعيون السابقون نجدهم اليوم في المساجد كرهًا أو حبًّا، ولا نحكم على نياتهم وما يكنونه في قلوبهم، لكن هذا الواقع، ولا يجرؤ أحد في أفغانستان أن يرفع شعارًا ضد الإسلام مهما كان. معنى ذلك أنكم تريدون أن تقولوا: إن قضية أفغانستان قضية مسيسة. نعم سواء الدول البعيدة أو المجاورة، فالسياسة عميقة جدًا، وهي لعبة ظاهرها شيء وباطنها شيء آخر، وقد يكون مخططًا لها أن تستمر سنوات عجاف، ونحن لا ندري، فأصبحنا لعبة شطرنج تدار بأيدٍ خفية تبدأ بشيء وتنتهي بشيء آخر. استهداف مدروس كأنكم تقولون إن أفغانستان مستهدفة؟ نعم وبخاصة بعد الجهاد والمطالبة بتحكيم الشريعة الإسلامية، مما أيقظ الأحقاد في الداخل والخارج، فأصبحنا مركزًا لأنظار العالم للقضاء على ثمرات الجهاد فأغروا ضعاف النفوس منا بالمال والمناصب والجاه والله المستعان. يعني القول بأن الأفغان هم من حملوا راية الجهاد في هذا العصر فسعت الدول العدائية لإثباط العزائم. قدر لأفغانستان هكذا، فالإسكندر الرومي قبل (2000) سنة حينما كان يملك العالم آنذاك، حمل نعشه من أفغانستان، وعندما جاء الإنجليز وسيطروا على العالم كله والشمس لا تغرب في إمبراطوريتهم فانهزموا في أفغانستان مرتين، وتمزقت إمبراطوريتهم، والروس الشيوعيون حينما هجموا على أفغانستان وهو شعب أعزل فانهزموا شر هزيمة وتمزقت دولتهم العظمى إلى دويلات، وقد قلنا للغزاة اليوم احذروا تاريخنا فأفغانستان مقبرة. تنازع وتصارع في ظل هذه الحركات والتصارع.. إلى أين تتوقعون أن ينتهي المطاف بهذا الصراع المحتدم ما بين الأطراف (الحكومة والمعارضة)؟ وهل التدخلات الخارجية سبب في هذا التصارع؟ الغلاة في الطرفين قليلون، والأكثرية معتدلون يرغبون في تحكيم الشريعة، لكن متى سيجلسون إلى العلماء وحكم الشرع في هذا الخلاف الدائر، ولا يليق بالطرفين التنازع من أجل السلطة. لكن من ينتصر في النهاية؟ لا شك أن الحق سينتصر في نهاية المطاف، لكن الله تعالى جعل لكل شيء موعدًا وأجلاً وقدر كل شيء بتقديره سبحانه. العلماء مغيبون ألا تلومون علماء المسلمين في عدم النظر في أوضاع ومشكلات أفغانستان؟ لقد ذكرت ذلك لمجلس علماء الأمة الإسلامية في قطر العام المنصرم وطالبتهم بالمبادرة لحل مشكلة أفغانستان ووجوب التدخل سريعًا. فأرى أن هناك ضرورة ملحة لتدخل علماء العالم الإسلامي والمجامع الفقهية والعلمية في أفغانستان بطريقة محترفة وسرية للجهتين. يعني أنكم تعتبون وتلومون علماء الأمة الإسلامية؟ نعتب عليهم كما نعتب على أنفسنا نحن بتقصيرنا الكبير تجاه قضيتنا سواء من المجاهدين أو من الأطراف الأخرى، وآمل التحرك عاجلاً ولو بالتدرج لتقريب وجهات النظر. حدثنا عن العلاقة ما بين المملكة ودولة أفغانستان؟ هي علاقة وطيدة راسخة وعميقة جدًا، فحينما أنشئت المملكة قام الملك الأفغاني أمان الله خان بزيارة لجلالة المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود، فبنى له قصرًا مستقلاً في (20) يومًا، إكراما لوفادة الضيف، فالمحبة متواصلة بين الأشقاء، وهي ملاحظة بين الشعبين في محبة بعضهما البعض، ومواقف الشعب السعودي مع الشعب الأفغاني في المحن التي تعرض لها لا تنسى أبدًا. ضوابط مقننة ما الآلية والضوابط التي يتم من خلالها ترشيح الأفغان للحج؟ في الأعوام الماضية كان يتم الترشيح عن طريق القرعة التي كان لها مساوئ ومحاسن، فللقضاء على مساوئها من طول الانتظار وعدم تحقق رغبات من يتقدم للقرعة عمدنا هذا العام إلى نظام التسجيل في كل المحافظات ولاحظنا تضاعف المسجلين عما سبق إلى (6) أضعاف عن الحصة المقررة للمحافظة، فوجدنا تزايد أعداد الراغبين للحج إلى أكثر من (150) ألف راغب فيما قرر لحجاجنا بأعداد (30) ألف حاج فقط، وهذا التغيير هدفه إيجاد الأمل لمن فاته سهم الحج بالاستطاعة أن يحج في العام القادم أو ما بعده، وقد وجد هذا التغيير قبولاً لدى الشعب، ونتوقع أن تزيد حصة حجاجنا على (30) ألفًا هذا العام بعد التشاورات بيننا وبين وزارة الحج السعودية حول رؤى واقتراحات معينة. هل وجد هذا التغيير فرصة لكبار السن؟ وما نسبة الشباب في نظام الحج القادم؟ وكم عدد المعتمرين من الأفغان هذا العام؟ حاولنا وما زلنا بأن يكون لكبار السن كبير الفرص لقدوم الحج، ونجد أن النسبة بين الكبار والشباب متساوية في فرص الحج، أما عن أعداد المعتمرين فليست لدينا أرقام معينة بحكم أن العمرة تتولاها شركات سعودية مع السفارة وهي المعنية بتلك الإحصائية من استصدار تأشيرات والسكن وغيره، فكل هذا يتم خارج صلاحيات وزارة الحج والإرشاد. توعية الحجاج هل لديكم برامج وأنشطة توعوية لحجاجكم قبل مجيئهم لأداء فريضة الحج؟ وكيف توفقون بين الخليط والنسيج الأفغاني الطائفي المذهبي؟ قمنا هذا العام بإيجاد خطة لتنفيذ برنامج توعوي للحجيج في (5) مدن بأفغانستان، وهي (4) مدن ومركز بكابل، وينفذ البرنامج خبراء في كل المجالات التوعوية بما يخص الحجاج دينيًّا وخدميًّا وتطويرًا وصحيًّا، عبر برامج سمعية وبصرية. أما من ناحية الخليط الأفغاني المذهبي والطائفي فالحمد لله هناك تفاهم في التعليم وأمور المساجد وكذلك الحج، فلدينا احترام متبادل بين المذاهب المتعددة الموجودة في أفغانستان، مع سعينا وحاجتنا إلى تصحيح بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض أصحاب المذاهب، ونأمل أن يكون المستقبل أفضل في التفاهم والتعايش المتبادل بين الأطراف. التشيع منتشر ألا تعانون من بعض الطوائف كغلبة بعضها في منطقة عن آخر خصوصًا فيما يتعلق بمسائل الحج والعمرة؟ نحن ذهبنا إلى أبعد من هذا، بحيث قمنا بتوزيع الحصص ليس على مستوى المحافظات إنما على مستوى المديريات (365)، لنحقق العدالة إلى أكبر حد ممكن، أما فيما يخص أموره الشخصية المذهبية من أمور العبادة فهو حرٌّ فيما يقوم به من خلال اعتناقه لمذهبه، لكن الأغلبية لدينا هم (أهل السنة والجماعة) على المذهب الحنفي ولله الحمد، كما يوجد لدينا (المذهب الجعفري والمذهب الشيعي) لكنّ هناك تفاهمًا فيما بين تلك المذهب ولم تحدث بينها مشكلات، خصوصًا خلال السنوات العشر الأخيرة. كيف وجدتم الجهود التطويرية التي تقوم بها المملكة في مكة والمشاعر المقدسة؟ هي مشروعات جبارة تدل على إحساس ومشاعر إسلامية، لا تصدر إلا من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، وأن خدمة الحجاج والمعتمرين وقاصدي بيت الله الحرام وعمارة المساجد والحرمين بالذات عبادة يؤجر عليها من قام بها، ولا يملك المسلم حينما يشاهد مثل هذه المشروعات العظيمة إلا أن يدعو لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وحكومته بخير الدعاء رجاء المثوبة من الله وحده. كلمة أخيرة تود قولها. - أود أن أقول للإخوة في المملكة لا تخدعكم شعارات الديمقراطية فتمسكوا بوحدتكم، والتفوا حول قيادتكم، فإن الأخطاء تصلح بالتشاور والمحبة والمناقشة، لا بالمطالبة بالتدخلات الخارجية من بعض شبابكم المنادين بشعارات الديمقراطية والتحرر والتغريب، فتمسكوا بالوحدة والالتفاف حول القيادة، فأنتم والله محسودون في أنظار العالم، فلا تنخدعوا بتلك الشعارات البراقة.