الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: جميع العبادات الشرعية لها أركان وشروط وسنن متعلقة بها، ويوجد لبعضها فضائل متعلقة بمكان أدائها، فعلى سبيل المثال من السنن والفضائل المتعلقة بالصلاة أداؤها جماعة، ومن الفضائل المتعلقة بمكانها أداؤها في المسجد، فلو تعارضت الفضيلتان بحيث لو صلاّها في بيته أو سوقه أو مقر عمله لأداها جماعة، أما لو ذهب إلى المسجد لأداها منفردا؛ لعدم وجود جماعة فيه، فالأفضل له – حسب هذه القاعدة – أن يؤدي الصلاة جماعة في البيت، وهذا أولى من أدائها منفردا في المسجد ولو كان المسجد الحرام، بل ولو كان في جوف الكعبة. ومن الأمثلة التطبيقية لهذه القاعدة أن أداء صلاة الجماعة في الصف الأول في المسجد النبوي أولى من أدائها في الروضة – مع شرفها وفضلها -؛ لأن الصف الأول فضيلة متعلقة بذات العبادة، أما الروضة ففضيلة متعلقة بمكانها. ومن الأمثلة أيضا أن أداء صلاة النفل في البيت أفضل من أدائها في المسجد؛ لأن أداءها في البيت أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء وأجلب للخشوع، ولا يستثنى من هذا الحكم أي مسجد حتى لو كان المسجد الحرام أو المسجد النبوي. ومن الأمثلة أيضا ما لو تعارض القرب من الكعبة أثناء الطواف مع سنة الرَّمَل، وهو الإسراع في المشي، فإنه سنة وفضيلة متعلقة بذات الطواف، فيستحب للطائف أداؤه ولو أدى هذا إلى بعده عن الكعبة؛ لأن القرب منها فضيلة متعلقة بمكان العبادة. إلا أن هذه القاعدة يستثنى منها صور، منها ما لو كان بجواره مسجدان، فالصلاة في المسجد ذي الجماعة الأكثر أفضل – حسب القاعدة - إلا إذا خشي أن يتعطل المسجد ذو الجماعة الأقل بعدم حضوره، بحيث يؤدي هذا إلى ترك صلاة الجماعة فيه شيئا فشيئا، ففي هذه الحالة يستحب له أن يصلي في المسجد الأقل جماعة، ويترك المسجد الأكثر جماعة؛ لأن اعتناء الشرع بكثرة إظهار شعار الجماعة في المساجد أكثر. ويستثنى منها أيضا ما لو كانت جماعة المسجد قليلة، وهناك جماعة كثيرة في مقر العمل مثلا، فأداء الصلاة في المسجد – ولو بجماعة قليلة - أفضل منها في غيره – ولو بجماعة كثيرة -؛ لنفس العلة المذكورة في الصورة السابقة.