جاء انعقاد قمَّة التَّضامن الإسلامي في مكَّة المكرَّمة فريدًا ومميَّزًا من حيث الزَّمان والمكان والحدث، بل كان مطلبًا ملحًّا في وقت برزت فيه قضايا كبيرة، وأحداث جسام اكتوت بنيرانها بعض الشُّعوب، وتشرَّد بسببها مئات الآلاف من النَّازحين الذين خرجوا من ديارهم بسبب موجة القتل وحرب الإبادة التي شُنَّت ضدُّهم. وفي وقت تعالت فيه الصَّيحات الطَّائفيَّة والتَّعصُّب المقيت بين كثير من المذاهب في كثير من الشُّعوب، وهو أمر في غاية الخطورة، إذ يهدد وحدة الصَّفِّ الإسلامي من جهة، ويبثُّ دوافع التَّفرُّق والتَّشرذم بين أبناء المسلمين في كثير من الأقطار. لأجل ذلك كانت الدَّعوة المباركة لخادم الحرمين الشريفين رائد الاعتدال والوسطيَّة في العالم أجمع، حيث دعا قادة العالم الإسلامي للقمَّة الاستثنائيَّة في مكة المكرَّمة يومي السَّادس والعشرين والسَّابع والعشرين من رمضان المنصرم في جوار بيت الله الحرام، فكانت تلك الاستجابة الكبيرة من سبع وخمسين دولة إسلاميَّة من آسيا وإفريقيا وأُوروبا هبَّت جميعها لمناقشة الأحوال الطارئة التي تمر بها الأُمَّة الإسلاميَّة، ووضع القرار المناسب الذي يعيد السَّفينة إلى طريق الأمان، ويوحِّد الكلمة، ويجمع الصَّف على هدي من المنهج الرَّباني في قوله عزَّ وجلَّ: "واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا". وهو السَّبيل إلى وحدة الكلمة، وقوة الإرادة، وتحدي جميع العقبات. لقد استحلف خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- في مستهلِّ المؤتمر قادة الأمَّة الإسلاميِّة أن ينتصروا للحق في قضايا العالم الإسلامي الملحَّة وتتصدرها ثلاث قضايا: قضيَّة فلسطين، وقضية سوريا، والإبادة الجماعيَّة في ميانمار. وكانت رؤيته للحلول المناسبة لهذه القضايا تنبع من التَّضامن الإسلامي الذي يحفظ للأمة تاريخها وعزَّتها وكرامتها، مؤكدًا -حفظه الله- على الدَّعوة للوسطيَّة، والبعد عن الغلو، حيث قال: "بإقامة العدل نهزم الظُّلم، وبالانتصار للوسطيَّة نقهر الغلو". ولقد كانت دعوة خادم الحرمين الشَّريفين لتأسيس مركز للحوار بين المذاهب الإسلاميَّة يكون مقرُّه الرِّياض هي دعوة حكيمة من رجل حكيم، طالما تلمَّس ما يمكن أن يحقق وحدة الأمَّة الإسلاميَّة ورأب الصَّدع فيها، والسَّير بها إلى طريق الحق بالكلمة الطيِّبة، والحوار الهادف الذي يؤدي إلى تقريب وجهات النَّظر على منهج شرعي يقوم ما جاء به القرآن الكريم وسنَّة النَّبي الكريم صلَّى الله عليه وسلم، وعلى ما أجمع عليه سلف الأمَّة، وراءه علماؤها وثقاتها بما يحقِّق للأُمة وحدة الكلمة، والبعد عن التَّمزُّق والتَّفرُّق والتَّشرذم. إنَّ مركز الحوار بين المذاهب الإسلاميَّة الذي سينطلق من الرِّياض سيحقق بعون الله جانبًا ملحًّا تحتاج إليه الأُمَّة الإسلاميَّة وهو وحدة المسلمين، وتراص صفوفهم، والتقائهم على منهج سديد، يوحِّد الكلمة ولا يفرِّقها، ويجمع الرُّؤى السَّديدة ولا يبعثرها، ويجعل الحوار منطلقًا رئيسًا بين المذاهب، ويقوِّي جانب التعاون والتكاثف والأُلفة، مستنيرًا بالمنهج الرَّباني في قول الحقِّ جلَّ وعلا : "وتعاونوا على البِرِّ والتقوى". فبارك الله في كل جهد مخلص لأمَّة الإسلام، وجعله سببًا في وحدة الكلمة، ولمِّ الشَّمل، ونبذ الفُرقة والشَّتات. والله الموفِّق.