شهدت الندوة النقدية في مفتتح النشاط الثقافي لمهرجان سوق عكاظ مساء أمس أول بوادر الإثارة؛ حيث لم تجد الناقدة المسرحية الدكتورة ملحة عبدالله بدًّا من الصعود إلى المنصة لتعلن احتجاجها على تغييب المداخلات النسائية وإقصائها عن التحدث في الندوة، مشيرة إلى أن هذا التصرف يبين عدم استيعاب فكرة الحوار بين الرجل والمرأة. وعلل مدير الندوة الدكتور حاتم الفطناسي رفضه لمداخلة الدكتورة ملحة بسبب عدم إشعاره بطلب المداخلة مكتوبًا، ولم يرده أي طلب بخصوص المداخلة، وهو الذي نفته الدكتورة ملحة حيث أوضحت أنها كانت من أوائل من طلب مداخلة في بداية الندوة. فيما شهدت الأمسية الشعرية التي أعقبت الندوة حضورًا ضعيفًا. وتناولت الندوة النقدية نظرة جديدة لشعر عنترة بأدوات هذا العصر النقدية الحديثة شارك في تقديمها الدكتور عبدالله الوشمي من السعودية، والدكتور عبدالحميد الحسامي من اليمن، والدكتورة أسماء أبوبكر من مصر، والأستاذة فاتن عبداللطيف من السعودية، وإدارة الدكتور حاتم الفطناسي من تونس. واستهل الحديث الدكتور الوشمي رئيس نادي الرياض الأدبي بأبيات شعرية لعنترة بن شداد، ثم شرع في قراءته النقدية التي كانت مختلطة بكثير من أبيات عنترة وخاصة تلك الأبيات التي كتبها عن حبيبته عبلة والتي تغنى بها كثيرًا في شعره، موضحًا أنه حين يجمع النقاد على تغييب الشاعر عند النقد فإننا اليوم نستحضر عنترة من خلال شعره، ومن خلال المواقف الكثيرة التي وردت في كثير من قصائده، وما يحتويه هذا الشعر على العديد من اللحظات الهامة في حياة عنترة ولعل من أهمها مكانة الأم في حياة عنترة فهي أمه من ناحية وهي نقطة الاختلاف من ناحية أخرى حيث عيروه بها كثير من أبناء قبيلته، مبينًا أن لحظة الموت يفشل كثير من الشعراء في معالجتها لكننا نجد عنترة يعبر في شعره عن هذه اللحظة وحسم أمره مع هذه اللحظة من خلال الدخول في عوالمها واستحضاره لكثير من أمجاده في الحروب والمعارك.. واستقراره في نفسه أنه ميت مثله مثل غيره. كما أنه دائمًا ما يربط حياته بحياة محبوبته عبلة. مختتمًا بالإشارة إلى أن لحظة من لحظات القوة في شعر عنترة هي المعلقة والتي اختصر فيها شعره وللأسف أن الكثير لا يعرف إلاّ هذه من شعره. فهو قد تغنى بكثير من القيم في شعره باستخدام الأساليب والتقنيات الفنية العشرية وهي نفس القيم التي تحتفي بها ثقافتنا العربية وتتبناها. ضد الاستلاب أما الناقدة فاتن عبداللطيف العامر من جامعة الملك فيصل بالأحساء، فتحدثت عن حياة عنترة، مشيرة إلى أنه كان يسعى دائمًا من خلاله إلى إثبات ذاته في ظل الصراع الثقافي والطبقي والاجتماعي، فعنترة شخصية غير عادية مقارنة لجيله وتاريخه، وقد استطاع أن يكسر عرفًا اجتماعيًا أطبق على الجميع في ذلك العصر وهو الطبقية والعبودية، وهو ما يمنع الأب من اعترافه بأبنائه من إمائه، وقد أحس شاعرنا بهذا الظلم الاجتماعي وهجينه النسبي، وحاول أن يحقق ذاته ضد محاولات الاستلاب هذه من خلال مسالك عدة وهي الشجاعة وقوة البأس والشعر. وأضافت أن شجاعة عنترة لم تأت من فراغ وإنما من عدة أسباب منها النفسية والاجتماعية والثقافية فهو لم يعش في حياة اجتماعية مستقرة، كما أن هناك دوافع نفسية أكثر من ذلك، فمحاولاته لإثبات حريته ونفي العبودية عن نفسه كانت محاولة للتغلب على الصراع الطبقي الاجتماعي في ذلك العصر. مختتمة حديثها بأن شاعرًا مثل عنترة قد كرس حياته من أجل إثبات ذاته في قبيلته وبين أنساب العرب مما جعله منشغلًا بعبوديته وبحثه كل السبل لإثبات ذاته والتغلب عليها. ثنائية المرأة والفروسية الدكتور عبدالحميد الحسامي رصد في بحثه النقدي عن عنترة بن شداد متلازمتين في شعر عنترة هي ثنائية المرأة الفروسية وهي رموز متلازمة في شعره، فالمرأة طال ما تغنى بها عنترة وهو أيضًا طال ما تحدث عن فروسيته في شعره من خلال القصائد التي خلدها التاريخ لنا، فالمرأة تمثل الجانب الرقيق والفروسية تمثل الجانب الجلد في حياة عنترة. وأضاف أنه من خلال تتبع أي نص شعري نلحظ وجود هذه الثنائية التي تمثل وجود رابط بين المرأة والفروسية وليس كما قال كمال أبوديب بوجود فجوة في بعض أبيات الشاعر حينما تحدث عن المرأة والفروسية، فدائمًا ما يتوجه الخطاب إلى المحبوبة ليسحبها إلى ما يحب أن يقول عن فروسيته وشجاعته وشهامته، فهو يعود إلى تفكيك عالمه، ويبدئ ويعيد ويمكننا ملاحظة ذلك من خلال معلقته، فنلحظ فيها تداخل فروسية عنترة مع تغزله في محبوبته، وذلك من خلال توجيهه الخطاب لابنة مالك عن فرسه قاصدًا بذلك الإخبار عن شجاعته. فلسفة الكون والإنسان الدكتورة أسماء أبوبكر قدمت بحثًا بعنوان «المغايرة وتجاوز النسق الفني في شعر عنترة»، أشارت فيه إلى اختلاف التاريخ حول شعر عنترة من خلال إثارة العديد من القضايا والصور التي يرى البعض أنها أدخلت في شعره مثل قضية الأسطورة والخرافة والمبالغة، لكن النمط الفني للقصيدة في شعر عنترة يفسر العديد من هذه الظواهر من خلال التحليل والتأويل، فظاهرة المغايرة وتجاوز النسق في شعر عنترة تجعل نظرة الإنسان أبعد من واقعه إلى نظرته للكون والحياة. مضيفة بقولها: إن إشكاليتي اللون والعبودية هما اللتان جعلتا شعره في حالة صدامية مع ما ترسخ لدى العرب من أعراف وتقاليد بالية، متطرقة إلى الآليات التشكيلية الفنية المستحدثة التي استخدمها الشاعر مثل النص الحكائي واللوحة الشعرية والصور والأفكار والمعاني، فتجربة عنترة حقيقية وشعريته العالية تعاني من ضغوطات كثيرة في عصره أدت إلى بروز ظواهر فنية تتجاوز القيم الجاهلية وتسعى إلى رسم صورة جديدة عن الحياة والكون والإنسان. وقد شهدت الندوة العديد من المداخلات، أبرزها مداخلة الدكتور يوسف العارف الذي أوضح أن عبلة ليست امرأة حقيقية إنما هي رمز للحرية في شعر عنترة في صورة أنثى، وأن الحرية والعبودية هي الأساس في شعر عنترة ولكن المرأة تأتي بعد ذلك. حضور ضعيف لأمسية شعراء عكاظ بعد ذلك أقيمت أمسية شعرية ضمت كلًا من شاعرة عكاظ لهذا العام روضة الحاج من السودان، وشاعر شباب عكاظ الشاعر إياد حكمي من السعودية، والشاعر سليمان جوادي من الجزائر، فيما أدار الأمسية الشاعر أحمد البوق من السعودية. وألقى الشعراء قصائدهم وسط حضور جماهيري قليل، وتنوعت قصائدهم بين الأغراض الشعرية المختلفة والأشكال الشعرية المتعددة.