أذكر في صغري أننا وحال تلاوتنا للقرآن الكريم كنا نعرف ما إذا كانت السورة مكية أو مدنية، بل وما هي الآيات المكية من المدنية في بعض السور الكريمة، حيث يتم كتابة ذلك في المستطيل الفاتح لكل سورة كريمة وبجوار اسم كل سورة. كان ذلك مثيرا لنا لنسأل مشايخنا الكرام، ونحن بين أيديهم وفي كنفهم نتعلم أساسيات التلاوة وقواعد التجويد، عن معنى ودلالة وأهمية معرفة الآيات المكية من المدنية، وكان من جراء ذلك أن عرفنا عديدا من الأحكام الفقهية المتعلقة بالأمر، وأدركنا فحوى جانب من المسائل الإيمانية. غير أن الأمر قد أخذ في التبدل مع حذف بيان الآيات المكية من المدنية في مقدمة كل سورة في كثير من المصاحف الكريمة المنتشرة حاليا، التي ركن القائمون على طباعتها بذكر تفصيل الأمر مجملاً في القائمة النهائية لفهرس السور، ولعل الهدف من ذلك كان الرغبة في التيسير على القارئ العام، وعدم إشغاله بالتفكير في شأن يتعلق بالمتخصصين في الدراسات الشرعية مجملاً، وقد يكون لذلك وجه من الصواب، لكنه في المقابل قد ساهم عن غير قصد في طمس هوية عدد من الآيات وما يتعلق بها من أحكام شرعية، والأهم أن ذلك الإجراء قد كرس حالة الجهل لدى غالبية أبنائنا اليوم لإدراك حقيقة وجوهر الفرق بين آيات القرآن الكريم من حيث مكان التنزيل، ودلالة ذلك من الناحية الشرعية بوجه عام. تذكرت كل ذلك وأنا أستمع إلى قراءة السيرة النبوية من القرآن الكريم للشيخ حسن المالكي طوال شهر رمضان المبارك على إحدى القنوات الفضائية، وكيف أنه قد استند في قراءته للسيرة على دلالة الآيات من حيث كونها مكية أو مدنية، ففتح ذلك المنهج العلمي في ذهني باباً كبيراً كنت تائهاً عنه، وأظنه جديراً بالدراسة من قبل المتخصصين في تاريخ السيرة النبوية وصدر الإسلام. على أن الأمر المهم أن قراءته للسيرة وفقا لدلالات الآيات بحسب هوية المكان، قد أثارت في ذهني فضولا حقيقيا لمعرفة الغاية من إزالة هوية الآيات المكانية من مقدمات سور القرآن بحسب ما كان متعارفا عليه في جل طفولتنا، وبحسب ما هو موجود في عديد من المصاحف المطبوعة في بعض البلدان العربية والإسلامية، وأتمنى أن تتم مراجعة الأمر، وإعادة توثيق الآيات والسور المكية والمدنية في مقدمة كل سورة، لما في ذلك من الفائدة الشرعية أولا وأخيراً . [email protected]