تصدر الجمعية الوطنية السعودية لحقوق الإنسان تقريرًا سنويًا عن أعمالها وملاحظاتها وأهم تطلعاتها المستقبلية. وهو أمر تشكر عليه هذه الجمعية، والتي تشكر أصلا على ما تقوم به -في حدود صلاحياتها- من دور طليعي وإيجابي في حماية ورعاية حقوق الإنسان في هذه البلاد العزيزة، وقد أعجبني تقريرها الثاني، وأثلج صدري أغلب ما جاء فيه. وفى تقريرها الأخير، الثالث، وجهت الجمعية نقدًا حادًا لمجلس الشورى، تحت عنوان: "طموح قادة، وضعف أجهزة". اختلفت تمامًا مع ذلك النقد، ورفضته، بيني وبين نفسي، إلا أن أحد محرري الصحف الأفاضل، اتصل بي، وبعدد آخر من أعضاء مجلس الشورى، طالبًا التعليق على ذلك الانتقاد، ونشر ملخصا لتعليقي -مع شيء من التحوير- في الصحيفة (يوم 15/8/1433ه، ص 5). قلت عن هذه "الاتهامات" إنها "غير صحيحة، داعيًا الجمعية إلى مراجعة اتهاماتها لمجلس الشورى، ليكون تقريرها ذا مصداقية". ومضيت قائلًا: "إن أعضاء مجلس الشورى تلاحقهم الانتقادات، لأنهم في الواجهة أمام الشعب ووسائل الإعلام.. إلا أن هؤلاء الأعضاء يتفانون في خدمة الوطن والمواطن -وفقا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يحفظه الله- ويتصرفون في إطار النظام المحدد لهم". ثم قلت: "إن أعضاء مجلس الشورى يعتبرون نخبة وطنية، تحاول تقديم كل ما يخدم بلادها في الإطار المحدد لها، والذي لا يجب تجاوزه.. ومن يريد أن ينتقد المجلس عليه أن يأخذ كل ذلك بعين الاعتبار، وألا يرسل النقد جزافا". **** وعندما سألني ذلك المحرر عن سبب ضعف رقابة مجلس الشورى على الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية، قلت: "إن السبب هو عدم وجود نظام يخول لمجلس الشورى مساءلة تلك الأجهزة". وإجابة على سؤاله: "ما مدى شفافية صياغة الأنظمة في المجلس، ومدى مشاركة المواطنين في هذه الصياغة"..؟! أجبته: "إن مناقشة المجلس للأنظمة تتم بشفافية وحرص على مصالح المواطنين كافة.. وتتم هذه المناقشة علنا، وتنشر بالصحف". أما عن مدى "مشاركة" المواطنين في هذه الصياغة فما زال -في رأيي- ضعيفًا، ومحدودًا.. "وهذا عيب يجب أن يتلافاه المجلس". وأعتقد أن قيام مجلس الشورى بإنشاء "مركز استطلاع الآراء" يأخذ رأي المواطنين في مضامين الأنظمة التي تعرض فيه، هو حل عملي جيد.. بحيث يؤخذ الصالح من هذه الآراء في اعتبار الأعضاء عند صياغتهم لهذه القوانين. وقد أوصلت هذا الرأي المعروف لمسؤولين بالمجلس، في عدة مناسبات. ولم أقل غير ذلك. صحيح، أن ما ذكرته ربما يحمل -ضمنًا- تطلعًا لزيادة صلاحيات المجلس، ولا شيء غير ذلك، ولقد انطلقت في حديثي هذا من إيمان بأن الرد الموضوعي على أي نقد يجب ألا يتجاهل نقاط القصور.. وخاصة تلك الظاهرة للعيان. **** وقد قرأ أستاذي الدكتور بدر أحمد كريم -يحفظه الله- ذلك التعليق، ففهم بعض ما قلته بقليل من الاختلاف عما قصدته، لقد أحسن الظن بي لدرجة أنه قال: "لقد حرك انتقاد د. صدقة فاضل المياه الراكدة حول دور المجلس، والمطالبة بتوسيع صلاحياته، واختصاصاته، وعما إذا كان الانتخاب أجدى أم التعيين"..؟! وذلك في مقال له في صحيفة "المدينة" (العدد 18003، 19/9/1433ه، 7/8/2012م، ص 21) بعنوان: "عيب يجب أن يتلافاه المجلس". لقد سررت بقراءة رأي أستاذي بدر كريم، كحالي عندما أقرأ له أي مقال. وأقول "أستاذي" لأنني أعتقد -بصدق- أنه قدوة وأستاذ في مجاله، بل هو رمز وطني ثقافي. إنه مثقف مخضرم وإعلامي رائد، وعضو سابق بمجلس الشورى. وقد سعدت بحسن ظنه برأيي، ونظرته الإيجابية لما قلت، في تصريح صحفي عابر.. لذا، فإنني أتقدم له بالامتنان، وبهذا التوضيح البسيط.. انطلاقًا من ضرورة ذكر الحقيقة فقط. وبعد تشرفي بعضوية مجلس الشورى، في العام 1426ه، كتبت مقالًا مطولًا عن واقع مجلس الشورى والمأمول منه. وقد نشر ذلك المقال في نهاية عام 1426ه، في إحدى الصحف. وأرى أن يُستفاد من معطيات "علم السياسة" عند النظر في تطوير مجلس الشورى، وأن يراعى في عملية التطوير هذه: مبدأ التدرج، وكوننا دولة نامية، مثقلة بكثير من الهموم والمعوقات، والتحديات. وما زلت -بعد حوالي سبع سنوات- على رأيي ذاك، فيما يتعلق بتطوير أداء مجلسنا الموقر. وأظن أن للأستاذ مرئيات في هكذا تطوير. كما أنني على يقين بأن مرئيات هذا الأستاذ هي الأكمل. والرأي الأول والأخير هو -بالطبع- لقيادتنا الرشيدة، وفقها الله.