بالأمس القريﺐ ضبطت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حفر الباطن ساحرا يتخذ من الرقية غطاء لممارسة السحر، ولم تكن تلك الحادثة هي الأولى من نوعها، بل كثر المتخذون للرقية غطاء لممارسة ﺃخطاء شرعية كالخلوة بالنساء وغيرها، الأمر الذي استدعى تحذير المجتمع بواسطة العلماء والمشايخ من اللجوء إلى متعاطي السحر والشعوذة ممن يتلبسون بلباس الصالحين، وﺃكدوا على الرقاة الالتزام بقرارات اللجنة الدائمة للإفتاء المحددة للطرق الشرعية للرقية وفق المنهج النبوي الشريف، مشيرين إلى ﺃن طريق التعافي الصحيح يكون باللجوء إلى اﷲ ﺃولا ثم المحافظة على الأوراد الشرعية من الكتاب والسنة.. "شمس" سلطت الضوء على هذه القضية وخرجنا بالتالي: يقول ﺃمين عبداﷲ (موظف) المشكلة هي ﺃنه قد ترسخ في ﺃذهان كثير من ﺃفراد المجتمع ﺃن الذهاب إلى القراء والوقوف بأبوابهم شبه واجﺐ؛ فلا يخلو منزل إلا وذهﺐ ﺃحد ﺃفراده لراق ﺃو ﺃتوا بالراقي إلى منزلهم، وكثيرا ما نسمع عن قراء اشتهروا وذاع صيتهم لنكتشف بعد حين ﺃنهم مجرد دجالين دخلوا هذا المجال واندسوا بين ﺃهله في ضعف الناس ﺃمام المرض وحاجتهم إلى العلاج ونقص المراقبين وعدم تنظيم عمل القراء.. وكثير يجهلون ﺃحكام القراءة الشرعية الصحيحة من القراء الذين يتهافت الناس عليهم معذورين لنقص ثقافة العامة في ﺃصول الرقية الصحيحة مما يدعوهم للذهاب إلى آخر الأرض في سبيل نيل الراحة والهدوء والطمأنينة في البدن وفي النفس، ففتح مجالا للفتنة يقع فيه الرقاة ممن لا يخافون اﷲ في الناس كما نسمع ونشاهد ويشاع بين الناس من تكسﺐ البعض وتعاملهم مع هذه السنه بطريقة ما ﺃنزل اﷲ بها من سلطان، فلا بد من تقنين عملية الرقية وإيجاد ضوابط شرعية واضحة لمن يمارسونها؛ فلا يكفي مجرد الرخصة بل نحتاج إلى المتابعة من قبل كبار هيئة العلماء والسعي إلى إيجاد آليات لتثقيف المجتمع لكيلا تكون هذه السنة المطهرة مرتعا لكل من تلاعﺐ به الهوى وﺃخذته نزعات الشيطان؛ فكلنا ابن آدم، نخطئ ونصيﺐ؛ فلا يمكن ﺃن ندع القضية للصدف؛ فالقراء يتعاملون مباشرة مع ﺃسرار وﺃعراض الناس، وهذا شر عظيم. وﺃضاف سعد الدهيش: "يبدو ﺃن عقول الناس تشربت ﺃفكارا كثيرة تكون في الظاهر الكلي صحيحة ولكنها تنطوي على عدد من الأخطاء التي قد تنحرف بها إلى مواقع الزلل، فالقراءة سنة ولكن نجهل ﺃن القراءة على النفس ﺃولى، وخصوصا على النساء لما نسمعه ويمر بنا من مخالفات كثرت بين المشتغلين بالقراءة، التي ﺃصبحت ﺃقرب إلى المهنة؛ فبعض الرقاة يسمح لنفسه بلمس ﺃجزاء من جسد المرﺃة بدعوى ﺃنها مواضع حضور الجن وفي لمسها منفعة لتأذي الجن من هذا الفعل، والقراءة على المرﺃة الأجنبية دون محرم ﺃو جلوسه قريبا منها، والسماح للمرﺃة بأن تكشف وجهها ﺃو ﺃجزاء من جسدها عند الرقية، وإطالة النظر إلى المرﺃة وعدم تغطيتها بشرشف ﺃو ما شابة ذلك حتى لا ينكشف شيء من جسدها فيما لو صرعت ﺃو ﺃغمي عليها، والتواصل معهن بالرسائل ﺃو الاتصال بحجة الاطمئنان ومتابعة الحالة؛ ما قد يؤثر في المرﺃة والقارئ فيفسد عليهما دينهما، كما شاع ﺃيضا استخدام الكهرباء والخنق والضرب في إخراج الجن من البدن ليدخل المريض في دوامة ليس لها آخر. كل هذا من المصائﺐ التي لا تحمد عقباها، وطالﺐ الدهيش بضرورة تنظيم عملهم وتكوين هيئة للرقاة المرخصين ﺃصحاب العلم والدين للمحافظة على هذه السنة النبوية التي كثرت الإساءة إليها. وﺃشار الشيخ الدكتور ناصر بن يحيى الحنيني (الأستاذ المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية ﺃصول الدين قسم العقيدة والمذاهﺐ المعاصرة) إلى ﺃنه يجﺐ ﺃولا الاعتراف بوجود ﺃخطاء يقع فيها عدد من المشتغلين بالرقية الشرعية لا يرضاها رب العالمين ولا رسوله، حتى نستطيع البدء في تنبيه الرقاة وتثقيف المجتمع تثقيفا صحيحا بالرقية الشرعية وكيفية استخدامها. وﺃضاف الحنيني: "من خلال الواقع الذي عايشته منذ زمن ليس بالقليل ولخبرتي في هذا المجال توصلت إلى قناعة تامة بأن هناك ﺃخطاء عديدة يقع فيها الرقاة إما لجهلهم ﺃو لاتباع الهوى وسبل الشيطان، وكل هذا يجعلنا نحرص ونأخذ الحذر. ويُعمل حاليا على تقديم دورات تدريبية لتأهيل المتدربين للقراءة على ﺃنفسهم وعلى ﺃهلهم لإيجاد بديل مقنع وﺃكثر نفعا لمن يحتاج إلى الرقية وتفعيلا لقوله عليه الصلاة والسلام في السبعين الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، وذكر من صفاتهم ﺃنهم لا يرتقون (ﺃي يطلبون الرقية من غيرهم")، وﺃضاف الدكتور الحنيني: "إن القراء ليسوا معصومين؛ فمنهم من يبحث عن المال ومنهم من يبحث عن الشهرة ومنهم من يدخل الشيطان إلى قلبه فيسيره على هواه لينحرف بمسار الرقية الشرعية وﺃهدافها السامية إلى ما لا يرضاه رب العالمين ولا رسوله عليه ﺃفضل الصلاة والسلام. وكان صلى اﷲ عليه وسلم يرقي نفسه يوميا قبل ﺃن ينام بالصفة المعروفة الواردة عنه؛ فكان يجمع كفيه ويقرﺃ المعوذتين والإخلاص وينفث في كفيه ثم يمسح بهما رﺃسه وما استقبل من جسده ويكرر ذلك ثلاث مرات، وهذا ما يسن لكل مسلم فعله قبل نومه.". وﺃضاف الشيخ ناصر": لا بد ﺃن يكون القارئ ﺃهلا للرقية الشرعية وﺃن يكون ذا دين وورع يمنعه من ارتكاب المحرمات". وشدد الشيخ ناصر على وجوب الجمع بين الرقية الشرعية والعلاج الطبي النفسي ممن هم ﺃهل للثقة في هذا المجال مع كثرة الدعاء على الظالم، فأغلﺐ الحالات تشفى من كثرة الدعاء مع المداومة على القراءة على النفس دون اللجوء إلى غيرهم للقراءة؛ فلا يشترط هذا للعلاج، بل هو خطأ يقع فيه كثير من الناس في هذا الزمان فلا يمكن ﺃن تكون المداومة على مراجعة ﺃهل الرقية الشرعية والوقوف على مداخل مساجدهم والذهاب إليهم إلى آخر الأرض وسيلة العلاج والشفاء من ﺃمراض السحر والعين والحسد، بل الصدق مع اﷲ والمداومة على تلاوة القرآن وخاصة الورد اليومي وكثرة الدعاء والاستغفار والتقرب إلى اﷲ بصالح الأعمال ﺃكثر فائدة للنفس وسيشعر به المداومون عليه.