دعا إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف الشيخ الدكتور علي بن عبدالرحمن الحذيفي في خطبة الجمعة أمس إلى اغتنام شهر رمضان المبارك بالإكثار من الطاعات والبعد عن المعاصي، والتوبة النصوح إلى الله عز وجل، حتى يرتحل الشهر بذنوب مغفورة وأعمال صالحة متقبلة. وقال فضيلته: أعظمَ رحمةَ الله، وما أوسعَ جودَه وكرمه، يبيِّن لنا الشهورَ الفاضلة والأيّام المباركة التي تضاعَف فيها الحسناتُ وتمحى فيها السيّئات، ويشرع لنا فيها أنواعَ الطاعات، وما كنّا لنعلمَ ذلك كلّه إلا بتعليم الله لنا. وأضاف: أيّها المسلمون، إنّه قد نزل بساحتِكم شهرٌ كريم، هو سيّد الشهور، ومنّ الله عليكم بموسمٍ عظيم، نهارُه صيام وليله قيام، فيه ليالِي العشر الأواخِر أفضلُ اللّيالي، وفيه ليلة القدرِ العبادةُ فيها أفضلُ من عبادةِ ألف شهر ليس فيها ليلة القدر شهرٌ يضاعَف فيه ثواب الطاعات، وتكفَّر فيه السيّئات، وترفَع فيه الدرجات، لله فيه نفحات، من تعرّض لها لم يرجِع خائبًا محرومًا، ومن طلبَها نالها، ومن أعرض عنها خسِر نوالها، وشهرُ رمضان صيامُه أحدُ أركان الإسلام، جعل الله صيامَه وقيامه سببًا لمغفرة الذّنوب ورفعِ الشّدائد والكروب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "من صَام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدّم من ذنبه"، وفضائلُ شهر الصّوم كثيرة جدًّا، وحسبه في الفضلِ أنّ الله تعالى أنزل فيه القرآنَ العظيم الذي جعله الله نورًا وهُدى، وجعله زمنًا للصّوم الذي هو سرٌّ بين العبد وبين ربِّه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: " كلّ عمل ابنِ آدم يضاعَف، الحسنةُ بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضِعف، قال الله تعالى: إلاّ الصوم، فإنّه لي، وأنا أجزي به، يدَع شهوتَه وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحةٌ عند فطرِه، وفرحة عند لقاءِ ربّه، ولَخلوف فم الصائم أطيبُ عند الله مِن ريح المسك"، ومِن فضائل رمضانَ قوله: " إذا دخلَ رمضان فتِّحت أبوابُ الجنّة، وأغلقَت أبواب جهنّم، وسلسِلت الشياطين" وقال فضيلته: على المسلم أن يحافظَ على صومِه من مبطلات الصّيام، وأن يصونَ صيامَه ويحفظَه من الغيبة والنّميمة وقولِ الزّور والسِّباب والشّتم والنظر إلى ما لا يحلّ له، وأن يحرِص كلَّ الحِرص على الاستكثار من الطّاعات في مواسم الخيرات، والمحافِظة على الصّلاة جماعةً، ومن الغَبن والخسران المُبين أن يحافِظ الرّجل على الصّيام ويضيِّع الصلاةَ، فالصلاة جِماع فَلاح العبد، وبها تنتظم أمورُه وتصلح أحواله، وأوّل ما يحاسَب العبد على الصلاة، ومن ضيّعها فقد خسِر دنياه وأخراه. وأضاف: عليكم بذِكر الله كثيرًا، فإنّه أفضل أعمالِكم وأيسرُ عمَلاً، وأفضلُ الذّكر تلاوة القرآن العظيم بتدبّرٍ وفَهم، ورمضانُ شهر القرآن، وينتفِع القلب بالقرآن في رمضانَ أكثرَ من غيره؛ لأنّه غذاء الرّوح كما أنّ الطعامَ غذاء الأبدان، وإذا ضعُف سلطان البدَن قويَ سلطان الرّوح، وأحسِنوا إلى الفقراء والأيتامِ في هذا الشّهر المبارك، فقد كان رسول الله أجودَ النّاس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان، فلَرسول الله حين يلقاه جبريل في رمضان أجودُ بالخير من الرّيح المرسلة، وغاية العباداتِ الإحسانُ إلى النّفس والإحسان إلى الخَلق، وقد تحقّقت هذه الغاية في رمضان، واجتمع في هذا الشّهر من الطاعات والعباداتِ ما لم يجتمع في غيرِه، اجتمعت فيه الصّلاة والصّيام والزّكاة لمن وجَبت عليه أو أراد أن يقدّمها فيه وأنواعُ الذّكر والحجّ الأصغر العمرة فهي تعدِل حجّةً مع الرّسول وأنواعُ البرّ، وهذا من أسبابِ فضل الشّهر، فاجتهدوا فيما يقرّبكم إلى الجنّة ويباعِدكم من النّار.